كانت مشكلات الفتيات – خاصة في فترة المراهقة – قديماً ترتبط غالباً بقضايا الزواج المبكر، وقضايا خروج الفتيات من التعليم في سن صغيرة لأسباب مادية ولتتزوج، أو قضايا تتعلق بمشاركتهن في أعمال المنزل، أو خروجهن للعمل لمساعدة الأهل، أو حتى الحب من طرف واحد، ولم يكن يواجه الآباء والأمهات مشكلات عويصة مع الأبناء إلا نادراً.
أما الآن فقد تغير المجتمع المحلي بتغير المجتمع العالمي، وصار التقدم التكنولوجي ” غزواً إجبارياً ” فرضت إيجابياته وسلبياته على الأسرة المسلمة، فنشأت مشكلات جديدة لم يعهدها الآباء والأمهات، وصار الأبناء فتيانا وفتيات يواجهون قضايا جديدة انجرفوا خلفها بسبب الانبهار بهذه التكنولوجيا، والرغبة في تجربة كل ما هو جديد ومثير… فبدخول الإنترنت معظم البيوت أصبح المراهق أو المراهقة بضغطة زر في عالم مفتوح عبر غرف دردشة مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتيح التعارف السريع والمتخفي أيضاً بالشخصيات المختلفة وللذئاب الإلكترونية خاصة!
عندما تبدأ بالتسلية
غالباً ما تدخل الفتيات والمراهقات إلى عالم الإنترنت من باب التسلية، حيث تقول إيمان 18 عاماً:” تعلمت من صديقاتي الدخول على الإنترنت منذ فترة طويلة، وكنت أجد فراغا، فكنت أتسلى باشتراكي في بعض صفحات الفيس بوك وغرف الشات على سكايب، وكان يطلب الكثير من الشباب – الباحث عن الصداقة النقية – إضافتي وكنت أتحدث معهم دون أن يعلم أحدهم هويتي الحقيقية، حتى تعرفت على أحد الشباب وارتحت إليه وهو كذلك، وتطورت العلاقة بيننا حتى صارحته من أكون، وأتصل بي هاتفياً أكثر من مرة، وللأسف كان الشيطان رفيقي الدائم حيث قابلته مرة في الجامعة، وكان يفهمني أنني الفتاة الوحيدة بحياته وأنه سيتقدم لخطبتي فور أن أنتهي من دراستي، وبدأ يطلب مني أن ألقاه في بيته لأنه يريد أن نتفق على تفاصيل الزواج قبل عرضها على أبي لكنني رفضت، وبعد مدة قليلة اتصلت بي سيدة تصرخ بوجهي كيف لي أن أتحدث مع زوجها، صدمت وفعلاً انقطعت عنه، وتوجهت لله عز وجل بالدعاء أن يكف عن ملاحقتي وألا يفضحني”.
الابتزاز.. للبقاء على الحرام!
وتضيف هناء – 21 عاماً والتي كانت لها تجربة حزينة مشابهة: ” بعد أن قطعت اتصالي بهذا الشاب الذي كنت أتواصل معه عبر تويتر وجدت في نفسي فراغاً كبيراً، فقد شعرت أن قلبي أصابه سواد من المعصية، ووجدت فراغاً كبيراً في علاقتي بأهلي وصديقاتي، وشعرت بالعزلة التامة عن المجتمع من حولي، بل وعن نفسي أيضاً، فقد كنت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي إنسانة تنصاع للمعصية، وأعتقد أن الفتاة التي يتلوث قلبها بحب – وهمي – لا يعود أبيض نقياً كما كان أبداً، فالآن كلما يتقدم لخطبتي أحد الشباب الملتزم أشعر أنني لا أستحقه، لكن الحمد لله أن ربي قد ستر علي ولم يفضحني.
أما ياسمين 24 عاماً فتقول: ” منذ ثلاثة أعوام انضممت لصفحة مهتمة بالأعمال الخيرية، وتعرفت فيها على الكثيرون، وخلال ذلك راسلني أحد الشباب الذين كنت أقرأ كتاباتهم الجيدة، وكان تعارفنا في الأول للتعاون على الخير، وكعادة اثنين ثالثهما الشيطان على الإنترنت توطدت علاقتنا، وكنت أحلم به ليل نهار، خاصة أنني في مجتمع مغلق للغاية، وأبي وأمي يحرمان علينا أي علاقة مع الجنس الآخر، تحدثت معه كثيراً وأرسلت له صوري الشخصية، وطلبت منه أن يحذفها لكنه لم يفعل، وكان ينوي أن نتزوج ، لكن أهله رفضوا فكرة الزواج من فتاة الإنترنت، وعندما أخبرني بذلك لملمت جراحي وقررت أن أتركه، لكنه كان يريد أن تبقى علاقتنا كصداقة دون التفكير بالزواج، وكان هذا حراماً في العلن فرفضت، وظهر الوجه الآخر له الذي صار يلمح بالتهديد بما يملكه من صور ومحادثات قام بتسجيلها، خفت منه في البداية، لكنني فاتحت أخي بالأمر والذي كان حكيماً عندما أنهى الأمر مع هذا الشاب، وحرمني من الإنترنت تماماً”
طريق الوحل.. نهاية المطاف
لكن هناك بعض الفتيات التي تركت غرف الشات في قلوبهن آلاماً بل وكانت سبباً في دمار حياتهن حيث تقول س.ن: ” كانت أمي دائماً مشغولة مع في عملها عني، ولم تتقرب إلي يوماً، وكنت أشعر كثيراً بالوحدة وفقدان الثقة بالنفس، تواصلت مع شاب، وبعد أن توطدت العلاقة بينا وأصبحت أثق به، في البداية لم يكن يقترب مني أبداً إنما أعطاني حنان الذئاب، وأنا كنت مراهقة لم تتحدث معها أمها كيف تحمي نفسها من مثل هؤلاء، وبعد فترة بدأ يقترب مني وعندما أرفض كان يقول لي ” أنت لا تحبينني إذن سأقطع علاقتي بك” فكنت أخاف أن يتركني وقد تعلقت به ، فاستجبت لما يريد، وخلال شهرين اختفى من الوجود، وبعد بحث مضن عنه أخبرني أنه لا يستأمنني أن أكون زوجة له!!
وتكمل باكية: ” حالياً أمي لا تشعر بأي شيء فهي مغيبة عن أحوالي وأحوال إخوتي، وأعتقد بالطبع أنني لن أتزوج وأستقر مثل باقي الفتيات، فأنا كالميتة بين الأحياء، هذا غير ألم المعصية الذي يعتصر قلبي، ففعلاً للمعصية شؤم وهم وغم يلحق الإنسان، حتى ولو كان في بداية أمره غافلاً عن عواقبها، وربما ظن أنه يلهو بمثل هذه التصرفات إلا أنه بعد ذلك يجد حسرتها وندامتها، فعاقبة الذنب دائماً وخيمة”.
الشات طريق شريك الحياة.. السراب
وقد تقتنع بعض الفتيات أن مواقع التواصل الاجتماعي به فرص للزواج، وحتى إن كانت هناك تجارب صادقة وكللت بالزواج، فهناك أضعاف أضعافها من التجارب الحزينة التي لم تبدأ أصلاً بهدف الزواج، وقد تقع الكثيرات في مثل هذا الفخ حيث تقول حنان من ليبيا: ” تعرفت على أحد الشباب من الخليج وكان يرغب في زوجة محترمة، وكان يبدو جاداً وطلب مني رقم والدتي، واتصل بها بالفعل وأخبرها أنه يعيش بالسعودية وأنه سوف ينزل لخطبتي خلال عام، وكنت أتحدث معه وكان يحاول أحياناً أن يتحدث في أمور يتحدث بها الأزواج وعندما كنت أنهاه عن ذلك يقول لي إننا سنتزوج قريباً، وذات يوم طرأت ببالي فكرة وسجلت على الفيس بوك باسم آخر وتعارفت عليه، ثم تحدثت معه على المسنجر، وقال لهذه الفتاة – التي هي أنا – من كلمات الحب والغزل مثل ما قاله لي، وطلب منها رقم والدتها كما فعل معي تماماً، وعندما صارحته تركني ، وأصبحت لفترة نادمة لأنني كنت أحبه وخسرته بسبب حماقتي، لكنني عندما صارحت أمي بما حدث وضحت لي أنه شاب لعوب ويجب أن أدعو الله أنه خلصني منه”.
علاقات بريئة.!!
حملنا هذه القضية بآلامها وأشواكها إلى الدكتور إبراهيم رجب رئيس قسم الخدمة الاجتماعية السابق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فقال: قد يظن البعض أننا لما كنا نعيش اليوم في عصر المنتجات “الفورية” والوجبات السريعة فإن أي قضية أو مشكلة تواجهنا فإن بإمكاننا كذلك أن نتعامل معها ونتناولها تناولا “فوربا سريعا” … ولكنهم يفاجئون بأن الكثير من القضايا والمشكلات – الإنسانية و الاجتماعية خصوصا- لا تستجيب أبدا لمثل هذا النوع من التعامل السريع الذي يتعجل النتائج دون إدراك كاف للأبعاد الحقيقية العميقة لتلك القضايا والمشكلات الاجتماعية، ويندهشون (أو يفزعون) عندما يجدون أن المشكلات لم تزدد – رغم هذه العلاجات المتسرعة المبتسرة – إلا تفاقما ، مما قد يفضي – وهو الأخطر – إلى شيوع نوع من الشعور باليأس من إمكان الإصلاح … يأس قد يصل في صورته المتطرفة إلى التصور بأن أمثال تلك المشكلات إنما هي أمر “طبيعي” لا مفر منه ، أو أنه قَدَر محتوم لا قبل لنا بمواجهته !!!
وهنا فالعلاقات بين الجنسين عبر الإنترنت معظم نتائجها خطيرة، فهذا النوع من المشكلات تنطلق من السماح بصور التواصل التي تبدو “بريئة” تماما في بداياتها، والاستهانة بنتائجها المحتم أن تترتب عليها، فمعظم النار من مستصغر الشرر، حيث تبدأ التجاوزات بدعوى “التعارف” على المنتديات أو غرف الشات، ثم تتدرج اتصالات التعارف إلى نمو مشاعر الألفة والتجاذب والشعور بالارتباط بين الشاب والفتاة في هذه المرحلة العمرية – غالباً فترة المراهقة – التي تتسم بتغيرات فسيولوجية سريعة تدفع العلاقات دفعا في هذا الاتجاه تحديداً، ويبدأ أحد الطرفين أو كلاهما في التوهم بأنه يتمتع بالمرغوبية الشخصية أو بالجاذبية الجنسية (باعتبار تلك الصفة – أي الذكورة/الأنوثة – هي الخاصية الفارقة في هذا الموقف) مما يدعم الرغبة في الاستمرار في العلاقة، ويتوهم أحد الطرفين أو كلاهما وجود رغبة “لدى الطرف الآخر” في الارتباط ، ثم فيما هو أكثر من الارتباط ، فيطمع فيما هو أكثر من ذلك دون شعور بالمسؤولية، و يطلب أحد الطرفين (الشاب عادة) انتظام العلاقة أو تعميق الارتباط ، أو ما هو أكثر من الارتباط (أي طلب الدخول في العلاقات الجنسية الطابع ، أو الجنسية الصريحة.
وهنا في حالة الاستجابة لتلك المطالب يترتب عليها بعض المشكلات وهي زيادة وتيرة وعمق الاقتراب والاتصال بين الشاب والفتاة بأمل (أو وهم) الارتباط بالطرف الآخر برباط الزواج في المستقبل (البعيد جدا) مع الغياب التام للظروف الموضوعية التي تبرر وهم الزواج ، مما يقترب في بعض صوره من خداع الذات، ثم الوقوع في الكبائر المغلظة، وقد يترتب على ذلك حمل السفاح، ووجود المشكلات القانونية والتجريم والأحقاد ورغبة الولي في الانتقام.
وفي حال رفض تطوير العلاقة بعد وصول العلاقات إلى هذا المستوى يتولد الشعور بالإحباط ، و تستثار كل مشاعر النقص و مشاعر عدم الكفاءة الشخصية ، وما يرتبط بها من آلام نفسية حادة واكتئاب ورغبة أحياناً في الانتحار، والعدوانية والرغبة في الانتقام من مصدر الإحباط.
معصية الخفاء أشد وأظلم !
ويضيف الدكتور يحيى الشرقاوي الباحث الشرعي بكلية الشريعة جامعة الأزهر والذي يقول: أتألم كثيراً لوقوع الكثير من الفتيات – الملتزمات – في فخ مواقع التواصل الاجتماعي، وما يتضمنه من غرف الشات التي تبيح كل وسائل التواصل بين الشباب والفتيات، فكثيراً ما نجد فتاة تحافظ على الصلاة وتلتزم حجابها الشرعي وصاحبة خلق ودين، وقد وقعت في هذه المعصية – الخفية غالباً – حتى صار وجود الإنترنت على الهاتف الجوال الشخصي أداة لتدمير كل الأخلاق والسلوكيات التي أمرنا الإسلام بالالتزام بها، وقد تقع بعض الفتيات في مثل هذه العلاقات عن طريق شبكة الانترنت أو عن طريق المكالمات وغير ذلك، فما من فتاة دخلت على هذه المواقع وغرف الدردشة إلا وقلبت حياتها ألماً وحزناً وهماً وغماً، حتى وإن ظهر لها في بداية الأمر أنها سعيدة وقد نجحت في اختيار شريك حياتها.
وأي فتاة وقعت في هذه المعصية يجب أن تقلع عنها حتى لا تتطور وتصبح فضيحة ويكبر الجرح، وأن تتوب إلى الله تعالى ابتغاء مرضاته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه) أخرجه الإمام أحمد في المسند وإسناده صحيح،
خاصة وأن معظم الشباب الذين يدخلون مثل هذه المواقع يكونون إما من الذين يبحثون جدياً عن زوجة، ويكتشفون بعد مدة من العلاقة أنهم كانوا على خطأ في طريقة اختيار شريكة الحياة، خاصة وأن الشك يبدأ في غزو قلبه بأن مثل هذه الفتاة قد تتعرف على غيره مثلما تعرفت عليه، ومن ثم يتركها، أو شاب متلاعب يقضي أوقاته مع هذه وتلك. وأي فتاة مسلمة تحافظ على كرامتها وعزتها لا تبغي زوجاً من ساحات المنتديات وغرف الشات التي تفوح رائحتها بضحاياها”.
وقد تعتقد بعض الفتيات أنها قد تتعارف على رجل صالح وتعرض عليه الزواج، فهذا متاح ” تحت علم ونظر الأهل وفي غير وجود الخلوة الشرعية عبر المسنجر أو غرف الشات” لكن لا يتعداها ليكون بعد ذلك علاقة وكلاما واتصالا هاتفيا مع رجل ما زال أجنبيا حتى إذا تمت الخطبة.
ويجب على كل فتاة تتحدث مع رجل أجنبي بصورة تثير الشهوات أن تسترجع قوله جل وعلا {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ، فهي تخوض في هذه الكلمات مع هؤلاء الرجال وهي تُقيد عليها حرفًا حرفًا ، بقوله عز وجل {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}، فمعصية الله التي من شؤمها أن تفسد على الإنسان سعادته، والتي تُذهب البهجة من نفسه.