أكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، أمس الخميس، إصراره على تنفيذ ما يصفه بـ «مشروع العصر» الذي يتمثل في شق قناة مائية تربط بحر مرمرة بالبحر الأسود على موازاة مضيق البوسفور، وذلك على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ومعارضة رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو، الذي هاجمه اردوغان بقوة، واعداً بتنفيذ المشروع رغم معارضة إمام أوغلو له.
وأعلن اردوغان عن المشروع أول مرة عام 2011، إلا أنه بقي في إطار الدراسات ووضع الخطط التي تغيرت مراراً نتيجة الحديث عن الآثار البيئية للمشروع ووجود معارضة من أطراف مختلفة له، لكن اردوغان أصر على المشروع باعتباره مكسباً استراتيجياً سوف يحقق نقلة مهمة للبلاد سياسياً واقتصادياً وسياحياً وحـتى بـيئياً.
ورداً على رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي أعلن معارضته للمشروع مؤكداً أنه لا يحمل أهمية للبلاد حالياً، أكد اردوغان أن المشروع سوف يباشر العمل به قريباً، مخاطباً إياه بالقول: «عليك بالنظر إلى عملك فقط، وسترى كيف سننفذ المشروع»، كما أن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد تزيد من الشكوك حول جدول المشروع في الوقت الحالي.
وأكد اردوغان، الخميس، أن بلاده ستطرح مناقصة مشروع القناة، وتباشر بتنفيذ المشروع في أقرب وقت، دون إعطاء موعد محدد. واعتبر الرئيس التركي أن المشروع الذي يمتد على طول 45 كيلومتراً «سيساعد في حماية مضيق البوسفور من كوارث خطيرة للغاية».
وفي تصريح مطابق، شدد وزير المواصلات والبنية التحتية التركي جاهد طورهان، على أن قناة إسطنبول المائية مشروع حضاري يحمي مستقبل مضيق البوسفور من حوادث الملاحة البحرية، في تركيز لافت على ملف «حماية البيئة» الذي تحاول من خلاله منظمات تركية ودولية الاعتراض على المشروع، حيث إن من شأن القناة الجديدة أن تخفيف حركة السفن في مضيق البوسفور، وتقليل نسب التلوث فيه، وتقليص الأخطار الناجمة عن الحوادث الملاحية المحتملة.
واعتبر الوزير أن المشروع هو «مشروع العصر» بالنسبة لتركيا، مؤكداً أن القناة ستكون واحدة من أكبر المشاريع في العالم، وأضخم عمل يتم إنجازه في تاريخ الجمهورية التركية، على حد تعبيره.
وتعول تركيا على الأهمية الاقتصادية للقناة، مع تزايد التجارة البحرية الدولية، حيث أوضح وزير المواصلات التركي أن المتوسط السنوي لحركة مرور السفن في مضيق البوسفور يتراوح بين 40 و42 ألف سفينة، علماً أن طاقة المضيق الاستيعابية الآمنة تبلغ 25 ألف سفينة سنوياً فقط.
وقال: «السفن التي تستخدم مضيق البوسفور تنتظر لمدة أسبوع تقريباً، وهذا الانتظار في الواقع مكلف بالنسبة للسفن وفرق ضمان سلامة الملاحة البحرية»، محذراً من أن كمية البضائع الخطيرة التي تمر عبر مضيق البوسفور، خاصة النفط، تجاوزت 150 مليون طن سنوياً.
وبعدما وضعت العديد من الخطط والسيناريوهات، وقع الاختيار على ممر بطول 45 كيلومتراً يبدأ من منطقة «كوجك جكمجة» ويمر من «صازلي دره» ويصل إلى «دوروصو» في الشطر الأوروبي من إسطنبول، حيث يمر بالقرب من مطار إسطنبول الجديد الذي يعتبر باكورة مشاريع اردوغان الكبرى، التي حافظ من خلالها على نجاحه في مجال الخدمات بالبلاد ويهدف إلى الحفاظ عليه من أجل الحفاظ على مكانته في الانتخابات المقبلة.
وحسب تفاصيل نشرتها صحيفة «صباح» التركية سابقاً عن مخطط المشروع، من المتوقع أن تصل تكاليفه إلى 65 مليار ليرة تركية (قرابة 17 مليار دولار أمريكي) وسيعمل فيه خلال مرحلة الإنشاء 6000 شخص، وقرابة 1500 في مرحلة التشغيل. وسيتم إنشاء ميناء ومركز خدمات لوجستية على ضفتي القناة على البحر الأسود وبحر مرمرة.
ويقول خبراء ملاحة وحقوقيون إن المعضلة الأساسية التي تعاني منها تركيا هي القيود التي ما زالت مفروضة عليها بموجب اتفاقية «مونتيرو» التي وقعت عام 1936 وتهدف إلى تنظيم حركة السفن في أوقات السلم والحرب عبر البحر الأسود، بما يشمل المضائق التركية وخاصة مضيق البوسفور. فقد أجبرت تركيا بموجب هذه الاتفاقية على عدم الحصول على رسوم مجزية عن مرور السفن عبر البوسفور باعتباره مضيقاً عالمياً. لذلك تفرض تركيا رسوماً رمزية مقابل «تنظيم مرور السفن في المضيق».
ومضيق البوسفور طوله 29.9 كم، وتتمثل أهميته بأنه يمتد من البحر الأسود إلى بحر مرمرة، ويعد واحداً من أبرز ممرات الملاحة البحرية في العالم. أما مضيق الدردنيل فهو ممر مائي تركي يربط بين بحري إيجه ومرمرة، ويعدّ أحد الممرات الاستراتيجية على الضفة الشمالية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط.
وتقول تقديرات تركية أنه إبان مناقشة اتفاقية «مونتيرو» كانت تمر عبر مضيق البوسفور 3 آلاف سفينة سنوياً فقط، في حين وصل العدد حالياً إلى متوسط 50 ألف سفينة سنوياً، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 65 ألفاً في عام 2030، وإلى 100 ألف عام 2050.
من خلال هذه الأرقام، تتوقع تركيا أن تلجأ السفن التجارية إلى المرور في القناة الجديدة بدلاً من الاضطرار إلى الانتظار لعدة أيام في انتظار دورها للمرور من مضيق البوسفور، وستكون الرسوم المفروضة على المرور من القناة الجديدة أقل من مصروفات انتظار السفن. وبالتالي، يتوقع اقتصاديون أن تُدر القناة الجديدة ما لا يقل عن 8 مليارات دولار سنوياً على خزينة الدولة.
الحديث عن الجدوى الاقتصادية للقناة لا يتوقف عند الرسوم التي سوف تحصلها الدولة من السفن التي ستعبرها، بل يتناول تطوير منطقة بعيدة على أطراف إسطنبول إلى مركز جديد تتحول فيه ضفتا القناة الجديدة إلى ما يشبه ضفتي مضيق البوسفور. فالقناة الجديدة سوف تكون قريبة من مشروع مطار إسطنبول الثالث الذي أصبح المطار المركزي الأول في إسطنبول، وسيكون أحد أكبر المطارات في العالم عند اكتمال افتتاح باقي مراحله. كما ستكون القناة قريبة من جسر إسطنبول الثالث (يافوز سليم) الذي افتتح مؤخراً.
ومن المتوقع أن تؤدي حزمة المشاريع هذه إلى إحياء منطقة جديدة من إسطنبول تُبنى فيها مشاريع عقارية ضخمة، ربما تشمل بعد عدة سنوات ملايين السكان الجدد وتساهم في تخفيف الضغط على وسط إسطنبول المزدحم جداً. بالإضافة إلى ذلك يتوقع أن تعزز القناة السياحة وتسهم في تحويل إسطنبول إلى ممر للتجارة العالمية، بشكل أكبر مما هي عليه الآن، وهو ما سينعكس بشكل أكبر على الاقتصاد التركي والتصدير والتبادل التجاري مع دول العالم.