أراد أحد الملوك قديما معاقبة العُصاة من شعبه الذين كانوا يتآمرون ضده. فأمر باعتقاله كبيرهم و أكثرهم شعبية، وإعدامه أمام الملأ حتى يكون عبرة لمن يعتبر. وضعه الحراس في زنزانة الى جانب المحكوم عليهم بالإعدام، و انتظروا ان يفرغ الملك من مهامه حتى يحدد موعدا لتطبيق العقوبة.
جاء اليوم المشهود، يوم تطاير الرؤوس. وقف الملك ينظر للمحكومين بالإعدام يبكون و يسنجدون عفوه، بينما تقدم صاحبنا الداهية و خاطبه برباطة جأش و ثقة في النفس :
– مولاي السلطان المفدى .. لو تكرمتم و أبقيتم على حياتي لخمس سنوات، أستطيع أن أخدمكم و أقدم لجلالتكم مفاجأة من العيار الثقيل.
– و ما نوع المفاجأة التي تنوي تحقيقها ؟ سأله الملك و عيناه تلمعان من الفضول
– استطيع تعليم حصانك القراءة و الكتابة، و ربما الكلام. وإن لم أَفِ بوعدي، عندها اقطع لساني و رأسي.
بقي الخليفة مندهشا لبعض الوقت، لكن وافق أخيرا على الطلب الأحمق.
مرت الأيام و الشهور، و صاحبنا يُعلم حصان الملك في قاعة أعِدت خصيصا لهذا الغرض. ويظل يلقنه كلماتان فقط : إمّا و إمّا .. إمّا وإمّا، ويقضي الليل في جناح الضيافة حيث يتم إكرامه من مأكل و مشرب و ملبس.
يوما سأله أحد العاملين بالقصر بعد أن ربطت بينهما صداقة قوية:” هل فعلا تعلم الحصان النطق و القراءة؟ و هل هناك تحسن ملموس فيما تفعله ؟ أم انك تضيع وقتك الثمين”. أجابه المُدرس بالنفي، فتسائل الخادم : ” إذن ما جدوى تلقين حيوان لغة البشر، ثم ما السر في الكلمات التي تظل ترددها يوميا أمامه ؟”
أجاب الداهية : لم تنصرم السنوات الخمس بعد .. على الأقل، أضمن أن أعيش هذه المدة.. و انا أردد للحصان: إمّا يموت الملك قبل الموعد، فأنجو أنا و الحصان .. إمّا يموت الحصان فأسلم من المشنقة .. و إمّا نموت أنا، فيرتاح السلطان و الحصان ”