بعد أشهر قليلة على تأسيس رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو حزباً سياسياً جديداً منافساً للرئيس رجب طيب اردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، قدم وزير الاقتصاد السابق علي باباجان أوراق اعتماد حزبه الجديد لوزارة الداخلية التركية، في أول خطوة رسمية على طريق تأسيس الحزب الذي تأجل الإعلان عنه مراراً، وسط تضارب في التسريبات حول دور الرئيس السابق عبد الله غل في الحزب الجديد.
ومنتصف العام الماضي، قدم باباجان وزير الاقتصاد ونائب رئيس الوزراء السابق، استقالته من حزب العدالة والتنمية الحاكم – علماً أنه يعد أحد أبرز مؤسسيه ـ معلناً رسمياً انشقاقه عن اردوغان بسبب «الخلافات العميقة في المبادئ والقيم والأفكار» حول توجه الحزب على كافة الأصعدة، مشدداً على ضرورة بدء مسيرة جديدة في حياته السياسية.
وباباجان هو أحد أبرز مؤسسي العدالة والتنمية إلى جانب اردوغان، وشغل عضوية البرلمان لعدة فترات، ووزارة الخارجية وشؤون الاتحاد الأوروبي ووزارة الاقتصاد ونائباً لرئيس الوزراء في حكومات الحزب، وعرف عنه بأنه «رائد التجربة الاقتصادية التركية»، وعلى الرغم من أنه لا يتمتع بنشاط على المستوى الشعبي إلا أنه يتمتع بثقة شريحة مهمة من الشعب التركي، لا سيما في الجانب الاقتصادي. وتكمن قوة باباجان في الوقت الحالي بطرحة فكرة الحزب الجديد في ظل صعوبات اقتصادية حقيقية تمر بها البلاد منذ أشهر.
والإثنين، أكدت وسائل إعلام تركية أن باباجان قدم طلباً رسمياً لوزارة الداخلية التركية لقبول طلب تأسيس حزب سياسي جديد في البلاد، حيث تم تقديم لائحة تضم أسماء 90 شخصية قيادية باعتبارهم الأعضاء المؤسسين للحزب، ومن بينهم وزراء ونواب سابقون عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي انشق عنه باباجان العام الماضي، عقب سنوات من الابتعاد عنه نتيجة خلافات واسعة مع اردوغان.
وحسب وسائل إعلام تركية، فإن الحزب الجديد سيكون تحت اسم «حزب الانتقال والديمقراطية»، وسيكون اختصاراً باسم حزب «DEVA» بمعنى «حزب الدواء» أو «العلاج»، لكنها مسميات تبقى غير رسمية بانتظار الإعلان الرسمي عن الحزب واسمه خلال الأيام المقبلة.
ومن أبرز الأسماء في الحزب الجديد النائب في البرلمان «مصطفى ينير أوغلو» الذي استقبال من العدالة والتنمية قبيل عدة أشهر، وعدد من الوزراء السابقين في حكومات العدالة والتنمية، أبرزهم: سعد الله إرغين وزير العدل السابق، وسلمى كفاف وزيرة الأسرة السابقة، ونهاد إرغون وزير الصناعة السابق، وبعض النواب السابقين عن العدالة والتنمية، كما لم يضم الحزب عدداً من الأسماء البارزة التي كان متوقعاً انضمامها له، وأبرزها الوزير السابق بشير أتالاي.
وحتى الآن لا يعرف ما هو موقع الرئيس السابق عبد الله غل من الحزب الجديد، فطوال الأشهر الماضية أكدت مصادر تركية متطابقة أن غل يعتبر بمثابة الأب الروحي لحزب باباجان، وأنه يقدم له الاستشارات كافة والتوجيه السياسي، ولكن دون الحصول على مسمى رسمي في الحزب الذي سيكون باباجان رئيسه المباشر.
غموض حول مكان عبد الله غل في الحزب الجديد
لكن مصادر صحافية تركية تحدثت، أمس الإثنين، عن أن خلافات ظهرت بين غًل وباباجان، وأن الأول قرر الابتعاد عن مشروع الحزب الجديد، في معلومات تبقى غير مؤكدة بانتظار إعلان باباجان أو غًل عن مواقفهما الرسمية الواضحة، وما إن كان غًل سيتبنى الحزب الجديد أو يتبرأ منه.
وفي السابق، فشل غًل وباباجان وداود أوغلو وهم أبرز ثلاث قيادات منشقة أو مبتعدة عن حزب العدالة والتنمية واردوغان في التوافق على العمل بشكل مشترك وفي حزب سياسي واحد ضد اردوغان، وبينما فضل غًل العمل مع باباجان عن بعد، أسس باباجان وداود أوغلو حزبين مختلفين، ما شتت جهود معسكر المعارضين لاردوغان وأضعف من فرصتهم في التأثير على مستقبله السياسي.
ومن شأن فشل القيادات المبتعدة عن العدالة والتنمية في تشكيل جبهة موحدة أن يصعب مهمتها في مواجهة الحزب الحاكم أو الإطاحة بالرئيس اردوغان الذي ما زال يتمتع بقوة كبيرة داخل أروقة الحزب والبلاد بشكل عام، رغم بعض المصاعب التي مر بها في الأشهر الأخيرة.
كما أن من شأن هذا التشتت أن يمنع هذه الأحزاب ـ حال ولادتها ـ من الحصول على عدد معتبر من الأصوات يمكنها من تشكيل كتل برلمانية جديدة في البرلمان، كما أن تشتتها في الانتخابات الرئاسية يعدم فرص أي منها في تشكيل أي تهديد على مكانة اردوغان. وتشكيل هذه الشخصيات أحزاب مختلفة يسهل على حزب العدالة والتنمية واردوغان مواجهتها في أي استحقاق انتخابي مقبل، ففي الوقت الذي تتهم هذه الشخصيات اردوغان بالتفرد بالسلطة إلا أن تشتتها سوف يدفع اردوغان لاتهامها بالخروج من الحزب وتشكيل أحزاب منفردة بهدف «تحقيق أطماع شخصية».
وعلى الرغم من أن التوقعات واستطلاعات الرأي الأولية تعطي حظوظاً محدودة ونسباً متواضعة للحزبين في المرحلة الأولى من تشكيلهما، إلا أن هذه الأحزاب قد تؤدي إلى تشتيت أصوات الناخبين المحافظين وهو ما قد يعود بالضرر على الحزب الحاكم والنفع على المعارضة، دون قدرة هذه الأحزاب على تحقيق مكاسب مباشرة في المرحلة الأولى.
ويبدو أن باباجان يحظى بتأييد أكبر في الشارع التركي حيث يستفيد من صورته كرجل اقتصاد ناجح في البلاد بالتزامن مع بحث الشارع التركي عن منقذ من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، في مقابل نسبة تأييد أقل لحزب داود أوغلو الذي لم ينجح حتى الآن باستقطاب قيادات أخرى وازنة في حراكه السياسي الجديد.
وبشكل عام تبدو حظوظ الحزبين الجديدين متواضعة جداً في المرحلة الأولى، حيث منحتهما مراكز استطلاعات الرأي وهيئات بحثية نسبة لا تتجاوز الـ3 إلى 5٪ إذا جرت انتخابات في الفترة القريبة المقبلة، وهي نسبة قد تزيد كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة عام 2023 وبناء على التحولات السياسية المتسارعة التي ستشهدها البلاد إلى حين هذا التاريخ، كما أنها لا تعتبر نسبة كبيرة لتحقيق أي نجاح لهذه الأحزاب بقدر ما أنها نسب تستنزف من رصيد الحزب الحاكم.