“لم يسبق أن كنا في حاجة إلى بعضنا البعض أكثر من اليوم”…”نحن في مركب واحد، إما أن ننجوا جميعا أو نغرق جميعا، ولكن بفضل جهود الجميع سننجو”، هو مقتطف من كلام بليغ وصادق نطق به السيد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، أمام نواب الأمة، الذين ينتمون لأحزاب سياسية شتى، يدعوننا إلى التفكير بإمعان وإعادة النظر في خطة تواصلنا ونحن نعيش في قلب أزمة هذا الوباء العالمي، بعد نظرنا إن هو تحرك سيفرض علينا طرح أسئلة ملحة، نعيد بها ترتيب أولوياتنا التواصلية كفاعلين سياسيين، ونخب دينية ومثقفة ومنظمات المجتمع المدني، سواء كنا نشتغل في مؤسسات رسمية أو غير رسمية.
منذ بدء أزمة كورونا، تعددت التحليلات السياسية، وانتشر في هذا الفضاء الأزرق كلام كثير، عبر تدوينات أو فيديوهات البث المباشر، بعض منه نجح في بصم خطة جديدة للتواصل، لكن الكثير منه حاول أصحابه في ظل الفراغ السياسي لنخب الأمة، أن يزرع الخوف وينخرط في مسلسل التشكيك والتهويل والترويج لأخبار زائفة. بيانات تصدر من جهات رسمية هنا وفيديو ينشر هناك، ينسف كل مجهود للسلطات سواء الصحية أو الأمنية أو المحلية، التي تنخرط مشكورة وبمجهود كبير في تنزيل التدابير الاحترازية لمكافحة وباء فيروس كورونا المستجد.
وسط هذا الزخم واللغط والهرج والمرج، كان لابد من إشاعة الأمل في النفوس، لنطرح السؤال على أنفسنا
هل يمنعنا الحجر الصحي كأحزاب سياسية وبرلمان وجمعيات ومثقفين ومؤسسات دينية رسمية وإعلام عمومي وخاص، من تدشين خطة تواصلية تشع الأمل في نفوسنا وتدعم مبادرات الخير للفئات المتضررة فى عصر الكورونا؟.. هنا نجد أنفسنا نطرح سؤالا آخر أين غابت جيوش المنتخبين البرلمانيين، والقيادات السياسية؟ بعضهم ابتلع لسانه في حلقه، بعدما كان يملأ سمائنا وارضنا كلاما عن كل شيء، وينتقد كل شيء، لكن حين جد الجد، خرست ألسنتهم، وأداروا ظهورهم للموت، في الوقت الذي نرى فيه رجالا ونساء قرروا أن يكونوا في الصفوف الاولى لمواجهة هذا الوباء.
إننا أمام هذه التحولات المجتمعية التي نمر منها، نحتاج أن نكون يدا واحدة متضامنين، نعيد رسم صورة أخرى للنضال والتأطير السياسي والحزبي، نحن في حاجة ماسة إلى تواصل من نوع آخر ومن مناضلين حقيقيين، لا يحتجون في الشوارع الآن، تواصل ينطلق من الحدود الجغرافية الضيقة لكل واحد منا وهو ملتزم بعزلته الصحية، لكنه غير معزول عن التواصل واتخاذ مبادرات إنسانية ونبيلة.
إن تواصل الأحزاب ومناضليهم مع محيطهم الضيق، سيعيد إظهار البلاد بكل قوتها وهي مصرة على تجاوز هذه الأزمة الطارئة والخروج منها بسلام.
هي إذن مسؤوليتنا جميعا كمواطنين وفاعلين سياسين ونخب ومثقفين وعلماء، أن نكون أكثر التزاما وأشد انضباطا وأقل أنانية، ونبدع في البحث عن الحلول الجماعية، التي تتسم بالنجاعة والقابلية التطبيق.
لا ينبغي أن نعزل أنفسنا عن محيطنا في الحي أو الاقامة أو المجمع السكني، بل علينا أن نتحول إلى خلايا نحل، تدعم حالة الطوارىء الصحية، لكنها لا توقف عجلة الحياة، بامكاننا أن نحول منصات التواصل الاجتماعي، والاعلام إلى جسر للتواصل، حتى نتكمن كأحزاب ونقابات وجمعيات ونخب ومؤسسات، من أن نلعب دورنا كاملا في التأطير والتحسيس واليقظة، حتى نكون جميعنا سندا للسلطات العمومية، خاصة منها الصحية والإدارية، والأمنية، والتي تشتغل ليل نهار للتكفل بالمصابين ولضمان تزويد الأسواق بالمواد التموينية الأساسية وتجنب أي نقص أو نفاذٍ للمخزون. لا يمكن أن تتحول المؤسسات التشريعية أو التنفيذية أو السياسية أو الدينية إلى حالة جمود بسبب الحجر الصحي، بل عليها أن تتواصل بشتى الطرق، لتخلق أجواء الخير وتنشر أخبار الود والرحمة.
ما يصلنا عبر تطبيق الواتساب، أو ما نراه في انستغرام أو في هذا الفضاء الأزرق، لا يبشر بخير، غاب المنتخبون والسياسيون والعلماء، الفاعلون، واكتفوا بتبادل أرقام الاصابات، وأخبار الكثير منها غير صحيح، بدل أن يبدعوا أفكارا للتواصل، ويشعوا الخير.
باستطاعة كل واحد ومن مكان حجره الصحي، أن يتواصل بطريقة مغايرة، لا يكفي أن نساهم ماليا ونتوارى عن الأنظار، أو نختبئ وراء هواتفنا ولوحاتنا الذكية، نتتظر ونراقب من بعيد، ونقول ” تفوت غير راسي ونجي فيمن بغات”، لا ينبغي إدعاء عدم قدرتنا على ابداع طرق جديدة للتواصل، والتأطير، فكما نجحنا في تجربة التعليم عن بعد، يمكن أيضا أن ننجح في التأطير السياسي والحزبي والجمعوي عن بعد، ونؤدي مهامنا البرلمانية والجماعية والجهوية دون إخلال بسير المرفق العام، ونتواصل مع المواطنين، ونكون صلة وصل تجعلنا تحفظ سفينتنا الواحدة من أن يخرقها العابثون بأمن الوطن وسلامة مواطنيه.
التواصل في زمن الجائحة
لنكن العون
لنكن الدعم
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط / رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية