للاستمرار في إغناء النقاش العمومي لوضع تصور لمرحلة ما بعد كورونا، أطلق حزب التجمع الوطني للأحرار المنصة الإلكترونية Maba3dCorona. حيث فتح من خلالها فضاءا للعموم لتقديم مساهماتهم حول الاجراءات والتدابير الممكن اتخاذها لتحقيق مغرب الغد. و في هذا الإطار انخرط عدد من المثقفين والباحثين بعرض تصوراتهم و اقتراحاتهم لتدبير مرحلة ما بعد كورونا. وفي هذا السياق قدمت دلال ميني المشاركة التالية :
دلال ميني، عضوة المكتب الوطني للمهندسين التجمعيين
رغم قسوة الظروف التي تعيشها بلادنا في زمن كورونا، فلا يجب إغفال وجه مشرق طفا على سطح الأزمة. كل فرد منا أدرك أهمية الوطن في حمايته و السهر على سلامته. افتخرنا جميعا بملكنا الإنسان و تابعنا بشغف رموزًا للوطنية الحقة من خلال مظاهر التضامن، التكافل، التضحية و نكران الذات و أدركنا أن وطننا يزخر بطاقات تحمل كل مقومات الانتصار على المحن. الكل اقتنع أن الاتحاد و التماسك قوتنا و النتيجة كانت تحسن كبير عرفته ثقة المواطن في المؤسسات، الثقة التي يجب الحفاظ عليها و تثمينها.
مهما وضعنا من التصورات و المخططات فلن نحقق المغرب الذي نريد دون المراهنة أولا على العنصر البشري و وضعه في قمة الأولويات.
التحدي الذي نحن بصدده اليوم هو الخروج من الجائحة التي ضربت المغرب و العالم بمكتسبات مجتمعية جوهرية، عقلانية و ممكنة.
مرحلة ما بعد كورونا يجب أن تتسم بانخراط قوي لكل الفاعلين في المجتمع السياسيين و الحقوقيين و النقابيين و الاقتصاديين و المفكرين و الإعلاميين و… باختلاف توجهاتهم لاعلاء راية الوطن كهدف أسمى في إطار من التدافع الشريف لتقديم الأفضل. التركيز على ترسيخ قيمنا المجتمعية و الانتفاض بقوة ليس فقط لرفض الانهزام بل لاستغلال هذه الظرفية لتموقع أفضل من الذي كنا فيه قبل الجائحة.
بات الجميع يعرف الاختلالات التي تعاني منها القطاعات الأساسية و الحيوية في المغرب، إلا أن الحكمة تكمن في ترتيب الأوليات التي يجب أن تتطرق لها صياغة السياسات العمومية المناسبة لاستشراف مرحلة ما بعد كورونا.
١- التعليم:
التعليم هو الأساس لوضع لبنات التنمية الحقة و لمحاربة التفاهة و للرقي بالمواطن المغربي اجتماعيًا معرفيًا و إنسانيًا. لذا فمن الضروري و المستعجل إحاطة قطاع التعليم بأهمية خاصة!! لاحظنا جميعا أن الجهل المتفشي في المجتمع عرقل التصدي لجائحة كورونا رغم الإجراءات الاستباقية و الشجاعة التي تم اتخاذها في إطار التوجيهات المتبصرة لصاحب الجلالة ملكنا محمد السادس حفظه الله. و ما هذا إلا جزء من تبعات نظام تعليمي راكم الأخطاء و التعثرات لعقود متتالية. و في هذا الصدد أقترح باختصار:
- رد الاعتبار للمدرسة العمومية عن طريق تجويد خدماتها ليس فقط بتشييد البنايات بل أيضا بتقديم تكوين حقيقي لنساء و رجال التعليم، تحسين ظروفهم المعنوية و المعيشية و تمكينهم من الانفتاح الفكري و المعرفي
- الحد من التقاطب بين المدرسة العمومية و المدرسة الخصوصية و بين التعليم في المجال القروي و التعليم في المجال الحضري
- التركيز على ترسيخ قيم و مبادئ الأمة و الانتماء للوطن في كل المراحل التعليمية
- تطوير وسائل تلقين اللغات العالمية الحية
- تنمية الحس المقاولاتي عند المتعلم
- توحيد المقررات في كل ربوع المملكة و الحرص على تقديمها بأثمنة رمزية للعموم
-التربية على أساس المساواة بين الجنسين و إلغاء الممارسات التي تكرس هذا التمييز (على سبيل المثال في بعض الإعداديات يتم فيها تلقين الفتيات مادة التربية الأسرية و الأولاد مادة التكنولوجيا) - توفير تكوين مركز في مجال المعلوميات و الرقمنة منذ الأقسام الأولى
- تعزيز مكتسبات التعلم عن بعد التي لجأنا إليها خلال الحجر الصحي
- اغناء المقررات بمواد تمنح للمتعلم فرصة لتثمين طاقاته الإبداعية
- إعطاء أهمية خاصة لتوجيه الطلبة في مسارات دراسية تلائم قدراتهم و تؤهلهم لولوج ناجح لسوق الشغل
- الوقوف على الاختلالات التي تعرفها الجامعات المغربية و معالجتها بإستعجالية
٢- الصحة
تأهيل قطاع الصحة من حيث الاطر و التجهيزات هو حفظ لكرامة المواطن المغربي. لذا فهذا القطاع لا يقبل أن يخضع للقوانين التجارية فقط التي تهدف للربح خاصة دون رقابة صارمة من الدولة. من العار أن يتم الاتجار بآلام و معاناة المغاربة و إرغامهم على التوجه للمصحات الخاصة رغم عدم توفرهم على الإمكانات المالية بسبب افتقار مرافق الصحة العمومية لأدنى المقومات.
كما أن الإحصائيات بخصوص التغطية الصحية مهولة و من واجب الحكومة إيجاد حلول لهاته المعضلة حسب خاصيات كل قطاع مهيكل أم غير مهيكل.
٣- الصناعة
في الآونة الأخيرة استطاع المغرب انتزاع عقود مع مستثمرين أجانب من الحجم الكبير مما ساعد في توفير آلاف مناصب شغل لشابات و شباب مغاربة و انقاذهم من مخالب البطالة. حيث أن الشغل ليس فقط مرتب بل جزء من الانتماء للوطن!
نتمنى أن يستمر العمل على الرفع من جاذبية المغرب في مجال الاستثمار إلا أن تكوين يد عاملة وطنية في المجالات ذات الأولوية كالطاقات المتجددة مثلًا أمر ضروري للاستفادة الكاملة من هذا الخيار الاستراتيجي.
من جهة أخرى تجدر الإشارة أن الأمن الغذائي هو صمام أمان لوطننا الحبيب. حيث أن الوضعية الراهنة رسخت ضرورة مواصلة النهوض بقطاعي الفلاحة و الصناعة الغذائية على الصعيد الوطني مع الحرص على عقلنة استعمال الموارد الطبيعية و خاصة المياه، حيث أن التنمية المستدامة هي الضمانة الوحيدة لاستمرار الإنتاج و تجنب أزمات لا مخرج منها.
موازاة يجب تعميم ثقافة إستهلاك المنتوج الوطني و التي تمثل شرط ضروري لإنعاش الصناعة الوطنية و ذلك بوضع ميكانزمات فعالة لتشجيع الإقبال و لتفضيل منتوجاتنا الوطنية من طرف المستهلكين المغاربة بكل تلقائية.
٤-المقاولة المغربية
نظرًا لدورها الكبير فإن مساندة المقاولات خاصة الصغيرة و المتوسطة منها في هاته الظرفية الحرجة سيشكل دفعا بعجلة الاقتصاد لتستعيد عافيتها سريعا من تبعات الأزمة الغير مسبوقة التي تعيشها حاليًا. حيث أن السرعة في اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع اختناق المقاولات كمحرك لكل الأوراش التنموية هو الحل للحفاظ على مناصب الشغل و تدارك الخسائر التي سببتها الجائحة. و من واجب المؤسسات المالية أيضا الانخراط بوطنية لتوفير السيولة الكافية للمقاولات الوطنية.
الحرص على توازن الميزانية العمومية أمر ضروري إلا أن وضع آليات مبتكرة هو الحل و ليس اللجوء لسياسة تقشفية من شأنها أن تجهض كل المكتسبات الاقتصادية التي حققها المغرب. للخروج سريعًا من الكساد الاقتصادي يجب الرفع من مستويات الاستهلاك و تأهيل المقاولات الوطنية لتلبية الطلب.
٥- الإعلام
تصور التنمية لا يكتمل دون السهر على جودة و موضوعية مضمون ما تقدمه وسائل الإعلام. حيث أن الرقي بالنقاش الوطني للخروج بمشروع مجتمعي بناء رهين بإعلام يلعب دوره كما ينبغي بعيدًا عن التشويش و التحيز و المحاباة ليعزز الشفافية بين المواطن و الفاعلين. الإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة في الرفع من الوعي بضرورة المشاركة السياسية لتحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية و ثقافية و إنجاح مشروعنا الديمقراطي.
الإيمان بالوطن، التحلي بالمسؤولية، التشبث بالأمل، إشراك كل مكونات المجتمع في التنمية، أسلحتنا لنبدع انتصارنا على كورونا..