بقلم عمر بن نعيم
أصبح مشروع قانون 2220 حديث الجميع منذ تسريب بعض مواده من طرف أحد أعضاء الحكومة والمنتمي إلى الحزب الحاكم، هذه المواد والتي عرفت انتشارا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي ، تضمنت أحكاما زجرية من عقوبات حبسية وغرامات مالية “لكل من قام عمدا عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك، ولكل من روج محتوى الكتروني يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكك تهديدا وخطرا على الصحة العامة والأمن البيئي”. أحكام وصفها رواد مواقع التواصل الاجتماعي أنها كمامة دائمة على حرية الرأي والتعبير وتعيق المسار الديمقراطي للمملكة المغربية.
فالجميع يتفق على أن مشروع قانون 2220 في صيغته الأولى ضرب بالفصل 25 من دستور 2011 عرض الحائط والذي نص على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها “، لذلك فهذا المعطى يكفي لوحده لإلغاء أو سحب القانون احتراما لمضامين الوثيقة الدستورية وكذلك لمكتسبات المملكة المغربية في مجال الحقوق والحريات، لكن هذا لا يعني أننا في غنى عن قانون ينظم شبكات التواصل الاجتماعي خصوصا ونحن أمام فراغ تشريعي (الذي لا تعوضه التعديلات التي أدخلها قانون 103.13 على الفصل 447 من القانون الجنائي )، فيما يخص النظر في بعض الممارسات الخارجة عن نطاق القانون والتي يتم ارتكابها عبر شبكات التواصل الاجتماعي بجميع أنماطها بما فيها نشر الأخبار الزائفة وكذا التشهير بالأشخاص،لكن أن يكون قانونا مغايرا لمقتضيات مشروع قانون 2220 مع احترام تام للحريات والحقوق المكتسبة للأفراد وخاصة حرية الرأي والتعبير.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما المغزى من تسريب بعض مواد هذا القانون في هذه الظرفية بالضبط؟.
ففي الوقت الذي تلاحمت فيه جميع مكونات المملكة المغربية للتصدي لجائحة كورونا جاء لنا السيد وزير حقوق الإنسان بتسريب مشروع قانون 2220 ، ليشتت تركيز المغاربة ويحول نقاشاتهم من متابعة آخر تداعيات جائحة كورونا إلى الخوض في مقتضيات مشروع قانون 2220 ، وخصوصا المواد 14 و 15 و 18 والتي حملت بين طياتها أحكاما زجرية والتي ذكرناها سابقا، في الحقيقة نجد أن تسريب هذه المواد من قانون 2220 له أبعاد سياسية أكثر من أي شيء أخر والمقصود هنا هو أن الإخوان تعمدوا نشر التسريب لتصفية حسابات سياسية وهذا يتضح لنا من خلال بعض التصريحات وتدوينات قيادي الحزب الحاكم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي حاولوا فيها الزج بأحزاب سياسية أخرى داخل اللعبة متهمين إياها بأنها صاحبة قانون تكميم الأفواه ، زيادة على ذلك لاحظنا ازدواجية خطاب الحزب الحاكم وتنصلهم من المسؤولية السياسية وممارستهم للبروباغندا والديماغوجية في ظل عدم قدرتهم على وضع تصور للوضعية الراهنة وعدم قدرتهم على مجاراة التلاحم والتضامن الذي يعرفه المغرب منذ إعلان حالة الطوارئ بسبب جائحة كورونا وغياب وزراء الحزب الأغلبي في التواجد ضمن لجنة اليقظة الاقتصادية لمواجهة جائحة كورونا وأصبحوا في طي النسيان ، لذلك اجتهدوا في تسريب القانون وتبرؤوا منه وهم تناسوا أن رئيس الحكومة الذي ترأس المجلس الحكومي وصادق على القانون من حزبهم وتناسوا أن وزير حقوق الإنسان ووزير الشغل اللذين كانوا ضمن اللجنة الوزارية المكلفة بمراجعة هذا القانون من حزبهم أيضا فيا لها من ازدواجية الوجوه ،كما تناسوا أن لهم أغلبية برلمانية ولهم جميع الصلاحيات في التصويت برفض القانون أثناء إحالته على البرلمان قصد مناقشته وهنا بإمكان نوابهم التصويت بالرفض، فالدستور منح للأحزاب كامل الصلاحيات لممارسة أعمالها بطرق قانونية سواء كانت داخل الأغلبية أو داخل المعارضة، لكن حزب الإخوان فضلوا كما يفضلون دائما ممارسة البروباغندا والبكاء في المواقع الالكترونية قصد كسب ود المواطنين ودغدغة مشاعرهم ،عن طريق التظاهر بلعب دور البطولة في التصدي للقوانين الظالمة كما حدث في تسريب قانون 2220 لكن الواقع يثبت العكس دائما.
كيفما كان الحال فالتاريخ سيسجل أنهم تعمدوا تسريب القانون في فترة غير مقبول فيها مثل هكذا التصرفات الصبيانية، خصوصا أن القانون تمت المصادقة عليه في المجلس الحكومي المنعقد يوم 19 مارس الماضي أي مر أكثر من شهر بين يوم مناقشة القانون داخل المجلس الحكومي واليوم الذي تم فيه تسريب القانون، لكنهم فضلوا تسريبه في هذه الظرفية بالضبط والهدف منه واضح، فلو كانت لهم نية مناصرة الحقوق والحريات فلماذا لم يقفوا ضد القانون أثناء عرضه على المجلس الحكومي ؟.