مند 2011 الى حدود الان وإزداد يقينه في الآونة الأخيرة أن بعض السياسيين أصبحوا ورقة ضاغطة وميوله الحزبي يرجع لقناعات عامية تتمثل في الطبيعة البرغماتية الإنتهازية الإستغلالية للمرحلة والإصطفاف بتحكم من أجل الإستفادة وإقتطاع أرباح وإمتيازات على ظهر جيوب المواطنين بغض النظر عن ما كان يتقدم به من بروباغاندا قضاء مصالح المواطنين وخدمة الصالح العام .
فأصبحت عامية المجتمع المغربي تصف مآل ووضعية السياسة بالمغرب بألفاض نابية ساقطة حيث تحول الوعي المجتمعي بشكل سلبي لعدم ثقته في كل من يناقش مصطلحات تعنى بالسياسة .
في زمن كورونا تغير كل شيء على مايبدو، فمازالت ظلمة التحديات الاقتصادية والاجتماعية قاتمة، وتلقي بظلالها على المشهد السياسي بالمغرب، خصوصا في ظل الخيارات التي فضلت بعض من الأحزاب السياسية المغربية حشر نفسها فيها، والانزواء في مساحات ضيقة، حيث اختارت لنفسها طريق الانكماش والانطواء على الذات، لتعمل بمقولة ” كم حاجة قضيناها بتركها”، لتفضل خيار الصمت في ظل استمرار تفشي وباء كورونا، وتأثيراته الخطيرة على الاقتصاد المغربي، لتجد هذه الأحزاب نفسها، فاشلة في إيجاد وابتكار وسائل تواصلية جديدة لإقناع المواطنين بالانخراطِ والمشاركة في خطة الإنقاذ، للخروج من الأزمة، علاوة على قرب الاستحقاقات القادمة التي ستمر بطعم الوباء، مما نحتاج معه إلى خطاب سياسي وتواصلي جديد،
لقد أصبح واضحا في ظل الانكماش الحزبي، أن وباء كورونا، سيفرض لا محالة على الأحزاب السياسية إيقاعا مخالفا لما عهدته سابقا، لأن التحديات صعبة، فهي في مجملها مرتبطة أساسا بالسياقات والمتغيرات الجديدة التي تؤشر الأرقام القادمة من المطبخ الحكومي على صعوبة الوضع الاقتصادي في ظل خطة إنقاذ ضعيفة.
فكل هذا يعيد سؤال ما مدى أهمية الفعل السياسي مع بروز تحديات كورونا، وهل الأحزاب أصبحت قادرة على الإجابة عن السؤال الحارق، أي وضع اقتصادي واجتماعي سيعيشه المغرب في القادم من الأيام!؟، خصوصا في ظل حالة التخبط التي كشفتها بعض من السيناريوهات المحتملة للخروج من أزمة وتداعيات كورونا على الجانبين الاجتماعي والاقتصادي، مما يعيد ايضا سؤال الثّقة من جديد إلى واجهة المشهد السياسي بعد التداعيات التي خلفها الوباء وتأثيراته الاقتصادية على المواطنين.
لينضاف إلى كل هذا سؤال لا يقل أهمية، وهو ما مدى نجاعة التواصل الحزبي مع المواطنين ببلادنا، في ظل جائحة كوفيد، يمكنها أن تجيب عن كل التساؤلات ومساحات الغموض التي باتت تخيم على الرأي العام الوطني، بالنظر إلى الأدوار والمسؤوليات التي أناطها الدستور الجديد بالأحزاب المغربية وتحديدا من خلال الفصل السابع الذي جاء فيه: “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية”.
وهو النقاش الذي نؤكد على انه مازال مستمرا إلى الآن، وتزداد حدته وأهميته أكثر عند اقتراب كل استحقاق انتخابي، فهو جدل سياسي يتكرر و يطرح عدة إشكاليات بخصوص نجاعة الممارسة السياسية في بلادنا والذي تبقى الأحزاب حجر الزاوية فيها ومن مرتكزاتها الأساسية، خصوصا حين نرقب ونتتبع استمرار النسب المتدنية للمشاركة الفعلية للشباب وللمواطنين عموما، في الحياة السياسية وشيوع خطاب التيئيس والتبخيس، وهو معطى موضوعي يؤشر في اعتقادنا على استمرار وجود هوة عميقة بين الأحزاب والمواطنين، بفعل فقدان الثقة واعتزاز العلاقة التواصلية، ونتساءل نحن أيضا هل تراجع نسب المشاركة السياسية وليس الانتخابية فحسب، مرتبط بالوسائل التي تمتلكها الأحزاب أم بالممارسة ونوع الخطاب السياسي هل هو مؤثر أم لا؟.
في نظرنا العملية السياسية التواصلية هي سيرورة، وتراكمات لا يمكن أن نحكم على مدى نجاعة ونجاح التواصل السياسي من خلال أرقام فقط، ترتبط عند بعض الأحزاب السياسية في الفترات الانتخابية. إن التواصل السياسي فرض نفسه مع بروز الثورة الرقمية، حيث أصبحت نجاعته ضرورة يفرضها الواقع السياسي، ولن تتحقق هذه النجاعة إلا باستخدام سليم لكل الوسائل والامكانيات المالية والبشرية المرصودة.
وهنا ينبغي أن نعترف أن على الأحزاب السياسية ببلادنا، أن تطلق ورشات للتفكير، لتعمل على تقييم وتطوير خطابها التواصلي والسياسي، من أجل فتح شهية شريحة واسعة من المواطنين والشباب من أجل الانخراط في العمل السياسي الجاد والمثمر، بعيدا عن الريع التواصلي، لأنه لا يمكن في زمن ما بعد كورونا، أن نستمر في استعمال ذات الأدوات التقليدية والقديمة، لأنها أصبحت متجاوزة، فلا يمكن تشجيع الشباب وعموم المواطنات والمواطنين، على ممارسة السياسة والانخراط تنظيميا في الأحزاب، ونحن نرى أن بعض الوجوه السياسية من الحرس القديم، ليس لها من هم سوى كسب الأصوات الانتخابية، أو ربح المقاعد والبحث عن المكتسبات الشخصية، وليس تشجيع المواطنين الفاقدين للثقة، على ممارسة السياسة بنبل وأخلاق.
للأسف أن بعض الأحزاب هذه الأيام بدل أن تفتح نقاشا تحدد فيه من المسؤول عن فقد ثقة المغاربة في العمل السياسي، فقد آثرت أن تستمر في تحوير النقاش حول التعديلات التي من الممكن أن تمس بالقاسم الانتخابي، والذي قد يفقدها مقاعد انتخابية، ولا هم لها إن فقدت الثقة في المشهد السياسي برمته، لترمي بمستقبل البلاد في أتون الحيرة والتردد، والبؤس والتشاؤم.
قبل حوالي خمسة سنوات من الآن، قالها الملك محمد السادس حفظه الله، مدوية في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة بمقر البرلمان، بتاريخ 9 أكتوبر 2015، حين قال لمثل هذا النوع من الأحزاب: “لقد سبق لي أن قلت لكم، من هذا المنبر، بأن الخطاب السياسي لا يرقى دائما إلى مستوى ما يتطلع إليه المواطن. وهنا أنبه إلى أن التوجه نحو الصراعات الهامشية يكون دائما على حساب القضايا الملحة والانشغالات الحقيقية للمواطنين، وهو ما يؤدي إلى عدم الرضى الشعبي على العمل السياسي بصفة عامة، ويجعل المواطن لا يهتم بالدور الحقيقي للبرلمان”.
حسب هذه الرؤية الملكية، فلا يمكن لنا إيجاد فعل سياسي ناجع، من دون وجود لغة تواصلية سياسية هادفة وجادة لأنها هي الوحيدة القادرة على بلورة معالم مشهد سياسي جديد، يصبح فيه الاهتمام بتأطير المواطنين والشباب على الخصوص، السمة البارزة لنجاح اي خطة تواصلية سيكون من ثمارها هو الدفع بتجويد العمل الحزبي و السياسي ببلادنا، خصوصا في ظل عدم وجود بنية منظمة وفاعلة ومحترفة داخل هذه المؤسسات الحزبية، تكون مسؤولة عن التواصل ودراسة التأثيرات الإيجابية المحتملة لكل حملة تواصلية، حتى تتجاوز الممارسات الحزبية الموسمية والتي عادة ما تكون مرتبطة بالفترات الانتخابية، وبالاشواط التسخينية عشية كل استحقاق انتخابي.
إن تحديات زمن ما بعد كورونا، يفرض على الأحزاب السياسية، أن تتملك آليات جديدة، وهي تدشن لحملاتها التواصلية، تتجاوز الخطاب التقليدي، لتتعداه إلى فتح قنوات أخرى التأطير والنقاش واقناع المواطنات والمواطنين بأهمية الانخراط في العمل السياسي، لأنه هو السبيل لإيصال اصواتهم وتحقيق مطالبهم، وأحلامهم وطموحاتهم في العيش الكريم الذي يضمن لهم كرامتهم ويحفزهم على العمل الجاد و العطاء، والنهوض بالوطن.
الأسباب متعددة تصب في أفهام مختلفة تبقى نتيجة معادلتها مجهولة في ظل الإنتقال الديمقراطي السائد والمتردي.