منذ بزوغ الانسانية وتطور البشرية الى مجتمعات مدنية ، وظهور أنظمة الحكم وتقاسم المصالح الاقتصادية والاجتماعية ، برزت فئة انتهازية من الناس تتكسب على حساب فئات المجتمع وعمّ المفهوم – أي الانتهازية- مجال السياسة وأصبحت كالميكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة) ، وصارت صفة ملازمة للعمل السياسي بالرغم من أن المعنى الواسع للانتهازية لايقتصر على توصيف السياسة لوحدها.
الانتهازي “السياسي” هو كائن يجيد التحرك وفق الشائع، حيث أنه لا يتبنى الصحيح إلا إذا كان غالبا، ولا يهم لديه إذا كان صحيحا وضعيفا، وإنما ينتمي له أكثر إذا كان شائعا، فهو بالأساس لا يسعى إلى اتباع الحق ولكنه يهدف إلى الانتماء للرأي المنتصر، كما أن الانتهازي “السياسي” لا يؤمن بمبدأ الصداقة ، والمقربون لديه مجرد حلفاء ، أما الأعداء بالنسبة له فهم ليسوا دائمين، فيمكن أن يصبحوا بين ليلة وضحاها أحبابا وحلفاء، طالما تلاقت الأهداف بينه وبينهم.الانتهازية السياسية في المغرب ممارسة واعية واستفادة أنانية من الظروف.
في البداية دعونا نسلم ونتفق على أن الأوهام الاديولوجية والادعاءات السياسية ذات الطبيعة الانتهازية لاتخدم مصلحة أحد ، كما أن استقراء الواقع الاجتماعي والسياسي المغربي كفيل بأن يجعل الكثير من منظري العلوم السياسية ببلادنا يتقاسمون معنا الرؤيا والتسليم بسيادة الانتهازية على المشهد السياسي ، لدرجة أنها اصبحت ممارسة واعية واستفادة أنانية من الظروف.يشكل الضعف الاخلاقي لدى بعض الافراد الذين يتقلدون مناصب المسؤولية بالاحزاب السياسية وكذا غياب الرقابة الصارمة على السلوك والممارسة واستحضار المحسوبية والزبونية والولاءات الشخصية ، عاملا مؤسسا للانتهازية السياسية ببلادنا ، سيما في حالة عدد من الاحزاب التي عاشت مرحلة المعارضة وحالة الاضطهاد وانتقلت الى مرحلة النصر واستلمت السلطة لتنبثق عند بعض كوادرها ممن ناضلوا في صفوفها ميول انتهازي في سبيل تحقيق اهادف تتلاءم ومرحلة تسلم السلطة والأمثلة في ذلك كثيرة وعديدة من احزاب سياسية رفعت شعارات تقدمية في العهد القديم وبعد نجاحها في الوصول الى السلطة غيرت خطابها الى انتهازية ظاهرة للعيان من أجل توسع تنظيمي لقاعدة الحزب.
الملك ..المغرب ليس بلدا للانتهازيين قال الملك محمد السادس، في خطابه أمام أعضاء مجلسي البرلمان، خلال افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان ، إن “التعبئة الوطنية، والعمل الجماعي يتطلبان توفر مناخ سليم، وتعزيز التضامن بين مختلف الشرائح الاجتماعية”.وتابع أن “ما نهدف إلى تحقيقه من خلال الإصلاحات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية، التي نعتمدها، هو تحسين ظروف العيش المشترك بين جميع المغاربة، والحد من الفوارق الاجتماعية مضيفا إن “الرهانات والتحديات التي تواجه بلادنا، متعددة ومتداخلة، ولا تقبل الانتظارية والحسابات الضيقة. فالمغرب يجب أن يكون بلدا للفرص، لا بلدا للانتهازيين ، وأن أي مواطن، كيفما كان، ينبغي أن توفر له نفس الحظوظ، لخدمة بلاده، وأن يستفيد على قدم المساواة مع جميع المغاربة، من خيراته، ومن فرص النمو والارتقاء”.
تركيز الجالس على العرش على “الانتهازية” تأكيد ضمني على أن شعار المرحلة الراهنة هو ضرورة التحلي بروح المسؤولية والعمل الجاد من المساهمة في ديناميات الإصلاح وأوراشه مرحلة لا تقبل الانتظارية والحسابات الضيقة، بل تتطلب رجال دولة وطنيين حقيقيين، مرحلة لا مكان فيها للانتهازيين.آخر الكلام، أنه عند مراجعة التاريخ السياسي لدول أوروبا الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية، نجدها قد تمكنت من وضع أسس وقوانين جديدة لممارسة العمل السياسي، قائمة على سلامة المواطن العقلية والسلوكية، وسلامة سريرته السياسية، وتمكنت من إقصاء كل مصاب بداء الانتهازية عن مراكز المسؤولية وهو ما أمن لهذه الدول مركزها الحضاري، رغم ما أصابها من صراعات وحروب خلال القرنين الماضيين ، عكس المشهد السياسي ببلادنا الذي تحول بفعل بعض الأشخاص إلى مدرسة كبيرة في تخريج الانتهازيين من كل صنف ولون، انتهازيون يؤدون دور البطولة وآخرون يلعبون دور الكومبرس أملا في التدرج بانتهازية للوصول الى دور البطولة المطلقة.