ملف تقاعد البرلمانيين أثار العديد من النقاشات داخل البرلمان والحكومة، واتفاق البرلمانيين على صيغة لمعالجة هذا الموضوع تأجل بسبب خلافات سياسية.
الرباط : أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي تلعب دورا محوريا في الحياة السياسية المغربية، وبرزت قوتها أكثر خلال جائحة “كورونا” حيث ساهمت في إسقاط مشروع قانون حكومي أطلق عليه من باب السخرية “قانون تكميم الأفواه” كان يهدف إلى تكبيل حرية الرأي والتعبير وتجريم انتقاد ومقاطعة بعض المنتجات الاستهلاكية الأساسية. كما شكلت تلك الوسائط أداة أساسية لإسقاط معاشات البرلمانيين، بعد نقاشات طويلة داخل مجلس النواب وفي المنتديات السياسية والحزبية والإعلامية وغيرها.
وفعلا، فقد اتفق رئيس مجلس النواب ورئيسة ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية منذ أيام قلائل، على الشروع في تنفيذ الإجراءات الكفيلة بتصفية نظام المعاشات نهائيا، والتداول في شأن مشروع قانون ينظم هذه العملية، خاصة بعد العجز الذي لحق صندوق معاشات البرلمانيين منذ ثلاث سنوات.
وغرّدت البرلمانية ابتسام العزاوي (من حزب “الأصالة والمعاصرة” المعارض) في صفحتها الافتراضية قائلة: “إلغاء معاشات البرلمانيين سيشكل، في حال الموافقة على مقترح القانون، إشارة مهمة لاسترجاع الثقة في العمل السياسي بالمغرب، كما سيعطي إشارات إيجابية للشباب بأن الممارسة البرلمانية لا ترتبط بالاغتناء”.
وتعني “التصفية” تمكين النواب البرلمانيين من استرجاع الأموال التي ساهموا بها في الصندوق منذ انتدابهم، وتقتطع هذه المساهمات من تعويضاتهم الشهرية بمبلغ 2900 درهم مغربي (314 دولارا أمريكيا) فيما تساهم الدولة بنفس المبلغ شهريا، وبذلك سيسترجع البرلمانيون مساهماتهم بمبالغ تقدر بحوالي 180 ألف درهم (19549 دولارا) عن كل ولاية كاملة، علما أن هناك عددا كبيرا من البرلمانيين قضوا تحت قبة البرلمان أكثر من ولاية.
ويطالب فريق “الأصالة والمعاصرة” المعارض بالتبرع بأموال صندوق المعاشات عند تصفيته لصندوق “كورونا”.
ويأتي التوافق بين مكونات مجلس النواب المغربي رغم وجود اختلافات في طبيعة التصفية، بعد أكثر من ثلاث سنوات على وضع مقترحات قوانين مختلفة تصب في اتجاه إلغاء أو تصفية تقاعد البرلمانيين، وذلك تفاعلا مع الدينامية التي شهدها المجتمع المغربي الرافضة لاستمرار مظاهر الريع السياسي بحصول نائب برلماني على تقاعد مدى الحياة بعد قضائه مهمة انتدابية لولاية واحدة فقط، كما يسجل موقع “زنقة 20”.
وكان ملف تقاعد البرلمانيين قد أثار العديد من النقاشات في المغرب أكثر من مرة وداخل البرلمان والحكومة، وكان من المفترض أن يتفق البرلمانيون قبل حوالي ثلاث سنوات على صيغة لمعالجة هذا الموضوع إلا أن الأمر تأجل بسبب خلافات سياسية.
وبالموازاة مع قرب طي ملف معاشات البرلمانيين، طالب رئيس فريق حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” في مجلس النواب، شقران أمام، بإعادة النظر في تقاعد الوزراء الذين لا يساهمون بأي شيء في صندوق التقاعد. ودعا رئيس الفريق الاستقلالي نور الدين مضيان إلى توقيف وإلغاء معاشات الوزراء، حيث قال: لا يمكن أن يستفيد وزير من 40 ألف درهم (4344 دولارا) كتقاعد وهو لم يساهم في الصندوق بأي درهم.
كما طالب بمراجعة الأجور العليا التي يتلقاها كبار الموظفين ومدراء المؤسسات العمومية التي لم تتأثر بجائحة كورونا، على حد قوله.
ويبدو أن صدور بعض السياسيين المغاربة ضاقت من السلطة الرقابية التي صارت تقوم بها وسائط التواصل الاجتماعي، فاقت قوة أحزاب المعارضة. ومن هؤلاء البرلماني والوزير السابق إدريس الأزمي الإدريسي (من حزب “العدالة والتنمية” ذي الأغلبية الحكومية) فوجه انتقادات لاذعة إلى المؤثرين في شبكات التواصل الافتراضية، وقلل من قيمتهم، وفي الوقت نفسه دافع باستماتة عن “معاشات” البرلمانيين، قائلا إن هؤلاء لا يمكن أن يمارسوا مهماتهم بالمجان.
هذه التصريحات التي أطلقت داخل إحدى اللجان البرلمانية جرت على صاحبها انتقادات لاذعة توزعت ما بين التعليق السياسي والتحليل القانوني والكتابات والرسوم الساخرة. وفي هذا الصدد كتبت البرلمانية حنان رحاب (من حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المشارك في الحكومة) في صفحتها الافتراضية: “غريب هذا التصنيف السلبي والقدحي الذي تواجه به المطالب الشعبية، المعبر عنها داخل فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي، ففي كل مرة تصدح فيها حناجر المغاربة رفضا لمظاهر الاختلال في تدبير الشأن العام، يتم اللجوء إلى تبخيس هذه المطالب وتصنيفها في خانة الشعبوية. ما يجب أن يفهمه الجميع اليوم، أن مواقع التواصل الاجتماعي هي فضاءات حرة للتعبير والنقاش والرفض، ساهمت بكل قوة في تخليق الشأن العام، وفي تكريس الشفافية، وفي فضح الممارسات الفاسدة في تدبير الشأن العام، ليس في المغرب فقط، بل في سائر أرجاء المعمورة”.
وكتب الباحث يزيد البركة (من حزب “الطليعة الديمقراطي الاشتراكي”) ما يلي موجها كلامه إلى البرلماني إدريس الأزمي الإدريسي: “المنتقدون للتطاول على المال العام بدون رقيب ولا حسيب لا يتكلمون عن راتب مَن يسير الشأن العام ولا أحد قال لك اعمل بالمجان، هم وأنا منهم والأحزاب التقدمية والجمعيات الجادة والنقابات الحقيقية والجميع الذين حاولت أن تبعدهم عمّا سميته استهزاء بالمؤثرين الاجتماعيين يقولون لك: إن تقاعد البرلماني ريع وأن التعويضات المتعددة تعسف وريع من الأحسن والأفضل إذا كنت تقوم بعمل للحصول عليها، وليست ضمن عملك الذي تأخذ أجرا عنه، أن تفتح الباب للشباب العاطل كي يقوم بذلك العمل، وليس أن تستحوذ على كل شيء، وفي نفس الوقت أجور الموظفين الكبار ثقيلة جدا على المجتمع، أنت وأمثالك لن تحس بذلك لأنك مستفيد، لكن أغلبية الشعب تحس بوطأة أموال التسيير ليس بسبب صغار الموظفين والمتوسطين بل بكبارهم.”.
كما غرّد الناقد أحمد بلخيري: “من شعار محاربة الفساد إلى الدعوة إلى محاربة الشعب (الفيسبوكيون جزء من الشعب). ومن شعار محاربة الاستبداد إلى الدعوة إلى قمع حرية التعبير”.
الطاهر الطويل