صار مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل سياسي للنزاع الدائر حول الصحراء المغربية، يجد له أصداء إيجابية لدى المجتمع الدولي الذي يرى فيه الحل الأنسب والأمثل الذي من شأنه أن يغلق الباب أمام الدعوات الانفصالية للبوليساريو ومن يقف وراءهم، المطالبة بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
فقد جاءت المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي، لتكريس حقيقة استحالة تطبيق مبدأ تقرير المصير بالشكل الذي ترغب فيه كل من الجزائر وجبهة البوليساريو، تلك المبادرة التي أيدها أعضاء مجلس الأمن الدولي عندما أكدوا على دعمهم الكامل للمسلسل السياسي الذي يجري تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة منذ سنة 2007.
فمجلس الأمن، باعتباره الهيئة التنفيذية العليا للأمم المتحدة، واضح للغاية في هذا الصدد، حيث أكد في قراره رقم 2494 الصادر في 30 أكتوبر 2019، على أسبقية مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، فضلا عن ذلك، فإن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في تقرير عرض على الجمعية العامة، يغطي الفترة الممتدة من فاتح يوليوز 2019 إلى 31 غشت 2020، ذكر فيه بشكل حصري الحل السياسي والقرار 2494 المؤيد للمبادرة المغربية، والموائد المستديرة المحدثة بمقتضى قراري مجلس الأمن رقم 2414 و2440، التي يشارك فيها المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، كآلية مثلى في اتجاه حل سياسي توافقي.
كما خصص غوتيريس فقرة من تقريره للخطاب الملكي في 6 نونبر 2019، بمناسبة الذكرى 44 للمسيرة الخضراء، والتي أكد فيها الملك محمد السادس أن المغرب سيواصل العمل بصدق وحسن نية، طبقا للمقاربة السياسية المعتمدة حصريا من طرف منظمة الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي، عملي وتوافقي.
وبالتالي، فإن القرار رقم 2494، يعد مرجعا وخارطة طريق لحل النزاع حول الصحراء، الذي لا يمكن إلا أن يكون سياسيا وواقعيا ودائما، وحل وسط يمكن أن يتبلور عن طريق النقاشات الجدية والنوايا الحسنة في إطار الموائد المستديرة ومراعاة التقدم الذي أحرزه المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة، هورست كوهلر، كل ذلك يشكل السبيل الوحيد لقيادة العملية السياسية الحصرية للأمم المتحدة حتى نهايتها.
لقد اختار المجتمع الدولي طريق الشرعية من خلال اختيار لا رجعة فيه لحل سياسي وواقعي وعملي ودائم، تجسده مبادرة الحكم الذاتي، التي تم التأكيد على جديتها ومصداقيتها في 16 قرارا اتخذها مجلس الأمن لدى الأمم المتحدة منذ عام 2007، فاجتماعات مجلس الأمن الأخيرة كشفت أهمية المبادرة المغربية، وصار النقاش حول ملف الصحراء المغربية داخل المجلس يتجه إلى اعتماد خارطة الطريق التي رسمتها المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
ورغم جدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، وتم تثمينها من قبل المجتمع الدولي، فإنها مازالت تواجه عقبة الموقف الجزائري، والموقف الانفصالي، الذي يحاول عرقلة التفاوض بكل الوسائل الممكنة، بهدف إفشاله، وهذا ما قد يعرقل مساعي المجتمع الدولي وتعقيد المفاوضات داخل الموائد المستديرة التي حققت – على أي حال – تقدما نسبيا في اتجاه الحل التوافقي .
وجدير بالإشارة إلى أن المغرب، رغم هذه العراقيل، يمضي قدما في تثبيت قضيته الوطنية العادلة أمام المجتمع الدولي، والتمسك بالحفاظ على وحدته الترابية وشرعية تواجده في أقاليمه الجنوبية، وتعزيز مكانة هذه الأقاليم وتنميتها في ظل مشروع تنموي سيتم تعزيزه بالجهوية الموسعة، وقد تمثل ذلك في إحداث جهتين في الصحراء، هما جهة العيون الساقية الحمراء وجهة الداخلة وادي الذهب، في إطار مبدأ السيادة الوطنية التي لا يمكن التنازل عنها مهما يكلفنا الأمر، لكن، ومع الأسف، تبنت الجزائر استراتيجية مختلفة، حيث توجهت نحو البرلمانات والمجتمع المدني والجامعات والإعلام، وخاضت معركة تتعلق باتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، إذ وضعت ثقلها كله لنسف الاتفاقية والحيلولة دون المصادقة عليها، أو الضغط على مجلس حقوق الإنسان لاعتماد آلية مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية، بالإضافة إلى محاولات متعددة تتجه نحو إقصاء الحل السياسي المقترح من قبل المغرب، غير أن هذا لن يثني المغرب عن التشبث بمواقفه الجدية والواقعية أمام المنتظم الدولي، وبالحل السياسي للنزاع كحل أمثل ومقبول من قبل أعضاء مجلس الأم.
بقلم: د. خالد الشرقاوي السموني ، أستاذ بكلية الحقوق بالرباط وبالمعهد العالي للإعلام والاتصال