شهد الاقتصاد التركي في الأيام الأخيرة تحولات كبيرة متسارعة هي الأهم منذ سنوات، حيث انتعشت الليرة التركية مستعيدة جزءا من خسائرها المتلاحقة طوال السنوات الماضية وذلك عقب التغييرات التي طالت وزير المالية والخزانة ورئيس البنك المركزي وتصريحاتهم الإيجابية، بالإضافة إلى تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصفت بأنها “تصالحية” والأكثر تطميناً للأسواق منذ فترة طويلة.
وأعادت التصريحات والقرارات الأخيرة الثقة بقوة إلى الأسواق والمستثمرين وذلك بعد سنوات من التراجع الكبير في قيمة الليرة التركية وارتفاع معدلات التضخم وتراجع معدلات النمو حيث تأثر الاقتصاد التركي بمجموعة من المتغيرات السياسية والأمنية الداخلية والخارجية قبل أن يتعرض لهزة كبيرة بفعل الآثار السلبية لانتشار فيروس كورونا الذي أثر على الاقتصاد التركي على غرار معظم دول العالم.
الأربعاء، سجلت الليرة التركية أفضل أداء لها منذ فترة طويلة
والأربعاء، سجلت الليرة التركية أفضل أداء لها منذ فترة طويلة، حيث ارتفع سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي إلى 7.87 بعد أن وصل قبل أيام إلى 8.54 في أسوأ مستوى وصلت إليه الليرة التركية على الإطلاق، كما ارتفع سعر صرف الليرة أمام اليورو إلى 9.28 بعد أن كسر حاجز الـ10 ليرات قبل أيام في رقم وصف بـ”المخيف”.
هذا الصعود الكبير في قيمة الليرة التركية جاء عقب تصريحات أردوغان أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، الأربعاء، والتي أكد فيها أن السياسة الاقتصادية الجديدة لبلاده تمنح فرصا كبيرة للمستثمرين الأجانب، من خلال الاستناد إلى 3 ركائز أساسية هي استقرار الأسعار، والاستقرار المالي، واستقرار الاقتصاد الكلي.
وأعلن أن حكومته ستطلق حملة جديدة تركز على الاستقرار والنمو والتوظيف، إدراكًا منها بأن الدولة ذات الاقتصاد الضعيف لا يمكنها الحفاظ على مكتسباتها في مجالات أخرى. واستطرد: “نسعى جاهدين لتخفيض نسب التضخم إلى ما دون العشرة بالمئة، والحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين”.
واعتبر أردوغان أن انتعاش الليرة التركية أمام العملات الأجنبية عقب تعيين رئيس جديد للبنك المركزي ووزير جديد للخزانة والمالية، مؤشر على أن تركيا في الطريق الصحيح. وأشار إلى تراجع مؤشر مبادلة مخاطر الائتمان في تركيا بمقدار 50 نقطة أساس لتبلغ 478.
والسبت الماضي، أقال الرئيس التركي رئيس البنك المركزي مراد أويصال وعين مكانه ناجي إغبال الذي كان يشغل منصب رئيس إدارة الاستراتيجية والموازنة في الرئاسة التركية، حيث لاقى تعيينه ترحيباً وارتياحاً في الأسواق ما ساهم في تعزيز الثقة مجدداً بالاقتصاد التركي، وسط تأكيدات على أن الرئيس الجديد سيعزز استقلالية البنك المركزي خلال الفترة المقبلة.
وفي أول تصريحات له، أكد الرئيس الجديد للبنك المركزي عزمه على مواصلة استخدام جميع أدوات السياسة النقدية تماشيا مع الهدف الرئيسي لاستقرار الأسعار. وقال: “إن الأهداف الرئيسية للبنك المركزي هي ضمان والحفاظ على استقرار الأسعار، وتماشيا مع الهدف الرئيسي سنستخدم جميع أدوات السياسة بشكل حاسم”، مضيفاً: “سيتم تعزيز الاتصال في السياسة النقدية في إطار مبادئ الشفافية والمساءلة والقدرة على التنبؤ”.
ووعد أغبال بأنه سيتم مراجعة الوضع الحالي ومتابعة التطورات عن كثب حتى تاريخ اجتماع لجنة السياسة النقدية في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وأشار بهذا الخصوص إلى أنه سيتم اتخاذ القرارات الضرورية في ضوء البيانات والتقييمات التي سيتم تشكيلها.
وأعطي هذا التصريح مؤشرات إيجابية للسوق، حيث يتوقع مراقبون أن يلجأ الرئيس الجديد للبنك المركزي إلى رفع نسبة الفائدة الأساسية في أول اجتماع للبنك المركزي له، ويتوقع الاقتصاديون أن يرفع نسبة الفائدة الأساسية بواقع 600 نقطة أساس وهي الخطوة التي يمكن أن تعطي دفعة أكبر لليرة التركية وتدفعها لمزيد من الصعود أمام العملات الأجنبية الأخرى.
وإلى جانب خطوة تغيير رئيس البنك المركزي، استبدل أردوغان وزير المالية والخزانة صهره برءات البيرق، وعلى الرغم من أن استقالة البيرق جاءت في إطار خلافات وبطريقة أدت لمزيد من الشكوك حول أداء الحكومة والوزارة، إلا أن قرار أردوغان السريع بالموافقة على الاستقالة وتعيين لطفي علوان مكانه أدى إلى ارتياح في الأسواق.
والوزير الجديد كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء في السابق كما شغل مناصب كوزير للتنمية والمواصلات في السابق ورئيس للجنة الميزانية في البرلمان التركي.
وفي أول تصريح له، وعد وزير المالية الجديد بتنفيذ تغييرات تتماشى مع رغبات السوق وتحسين بيئة الاستثمار أمام المستثمرين الدوليين والمحليين مع استخدام كل الأدوات للتصدي للتضخم. وقال علوان إن من المهم تعزيز المؤسسات وإنه سيجري الحفاظ على الانضباط المالي من خلال إدارة واقعية للمخاطر، مضيفاً: “الفترة القادمة ستكون فترة للتعافي حيث ستتراجع تأثيرات الجائحة وتتشكل فرص جديدة.. في هذا الإطار فإننا بينما نعزز استقرار الاقتصاد الكلي فإننا سنركز على برنامج تغيير شامل يتماشى مع رغبات السوق ويتضمن إصلاحات لمكونات بعينها”.
اسماعيل كايا / اسطنبول