بقلم : دلال ميني ، عضو المكتب الوطني للمهندسين التجمعيين
تستوقفني مرارا إعلانات لندوات حول مواضيع آنية تثير اهتمامي و لكن الغضب يجتاحني و أسئلة كثيرة،سأشاركها معكم، تنهمر علي عندما أتفاجأ بأن المتدخلين الكثر كلهم رجال (مثلا: ١١ رجلا لمناقشة الديبلوماسية و حقوق الانسان!!! ). و في الحقيقة لست أقلل من دور الرجل في الحياة بصفة عامة و لكنني أومن أن الرجل و المرأة خلقا ليكمل كل منهما الآخر حتى في وجهات النظر.
صحيح أن الاعتماد على الجنس فقط لتقييم متدخل في موضوع ما ضرب من الجنون، إلا أن الفضاء العمومي بالنسبة لي هو مرآة للمجتمع، بل و تطلع للصورة التي نريدها لهذا المجتمع. و من هذا المنطلق فمن واجبنا اشراك الجميع في بناء المستقبل الذي نصبوا إليه. يكفينا شعارات لا تنزل لتغيير الواقع و لا تشكل قناعة من يرددها.
عندما لا نستحضر وجوها نسائية في منابر اعلامية و ندوات جامعية فكأننا نمرر رسالة مفادها أن الخبرة و “الأستاذية” حكر على الرجال. المقلق في الأمر عندما نجد أن المنظمين لهاته الندوات هم من الاساتذة الجامعيين و المفروض بهم أنهم أول المتشبعين بقيم الديمقراطية الحقة و بسبل الوصول اليها. إلا أن الاصرار على تغييب خبرات نسائية رغم كل الملاحظات أمر مريب!
كيف يمكننا القول أن “فريق البحث في الأداء السياسي و الدستوري” -و وللاسم هبته – لم يستدعي متدخلات للنقاش حول الحقل السياسي المغربي أو الديبلوماسية و حقوق الانسان سهوا؟ كيف يمكننا أن نساند “خميسا للأداء السياسي” بازدحام ذكوري يقصي تمثيلا و لو بسيطا لنصف المجتمع؟
لا أظنني بحاجة للتذكير أن المرأة تركت بصماتها في تاريخ العالم، كمغاربة، فاطمة الفهرية مؤسسة جامعة القرويين هي الأصل في افتخارنا باحتضان أول جامعة في العالم. و اليوم طاقات نسائية هائلة تقود دولا عظمى و تبرز في مجالات عدة. و بالتالي بالنسبة لي تغييب الخبرات النسائية عن الواجهة هو تكريس إرادي لصورة نمطية و لحكم قيمة مسبق للمرأة المغربية بل أيضا حيف في حقها.
الوقوف على هذا الخلل و اثارة النقاش حوله هو الأصل في التأسيس لنقاش عمومي صحي و بناء. في قرارة أنفسنا نعلم أن المرأة جزء كبير من الحل لمحاربة الفساد و الرفع من حسن التدبير.
من جهة أخرى، نلاحظ أن تواجد النساء بقوة شبه مقتصر على مناقشة مواضيع العنف و المساواة و مقاربة النوع، .. لا أقلل من شأن هاته المواضيع و لكنها في الأغلب نتائج سياسات عمومية فاشلة خاصة في مجال التعليم و ثقافة ذكورية متجذرة. و الشفاء يأتي بمعالجة أصل المرض و ليس فقط أعراضه. تحديد الخبرة النسائية في مواضيع معينة تمييز مرفوض في بلد قائم على المساواة بين الجنسين في كل المستويات، أم أننا ننخرط في ذلك قولا و ليس فعلا؟!
صحيح أننا نتذيل ترتيب دول العالم استنادا لتقرير الفجوة بين الجنسين Global Gender Gap ، كما أن العدد الأول لنشرة المساواة الصادر عن وزارة التضامن و التنمية الاجتماعية و المساواة و الاسرة يرسم حقيقة مهولة حول تمثيل النساء في المجالس المنتخبة و مراكز صنع القرار، و لكن الغريب هو أن هاته الحقائق لا تزلزل منابر النقاش و لا تزعج سبات المسؤولين و لا تنتج لا إجراءات جوهرية و لا إصلاحات جذرية! أهكذا سنصنع التغيير؟؟… هيهات ثم هيهات..
مشاركة المرأة في المجتمع قضية لا تقبل التجزئة و لا تحتمل أن نتعاطى معها حسب المجال و المناسبة و إذا كنا فعلا نمتلك إرادة لتحقيقها فمن واجبنا الوقوف على صغائر الأمور و كبائرها. قضية المرأة قضية كل من يؤمن بالديمقراطية و كل من يريد للوطن أن ينهض بأبنائه و بناته.
المسؤولية مشتركة و من واجب المرأة أن تفرض وجودها و أن تتجاوز مخلفات التاريخ التي تقلل من شأنها. في المجتمع جانب مضيء رجال و نساء يستنكرون و يحاربون التمييز بين الجنسين و من خلاله يساندون الديموقراطية الحقيقية و ليس الشكلية.
في انتظار زمن نتجاوز فيه هاته النقاشات و نرتقي إلى مستويات أعمق لا تقاس فيها قيمة المواطن انطلاقا من جنسه بل نركز كل طاقاتنا على العمل و على صنع الانتصارات، ادعوكم للتعاطي بإيجابية و بدون تعصب و لا عجرفة مع هذا النقاش.