اعتبرت فاطمة الزهراء شعبة عضو المكتب السياسي لحزب جبهة القوى الديمقراطية ، أن مبادرة «الائتلاف الديمقراطي الحداثي من أجل مغرب المستقبل» تأسست على وعي بأولوية المهمات المطروحة على الفاعلين، من منطلق التجاوب مع تطلعات أوسع الشرائح المجتمعية للأمة المغربية الغنية بتعدد روافدها الهوياتية، كحافز للحفاظ على النفس الديمقراطي للبلاد، وبممارسة سياسية جديدة، وفي أفق استشراف توحيد الفعل والحزب اليساري الكبير، وتعزيز العملية السياسية والديمقراطية برمتها.
وأوضحت أثناء الإعلان عن ميلاد هذا التحالف أن المبادرة ترمي إلى مواجهة محاولات تبخيس العمل السياسي، والمساهمة في تعزيز الخيار الديمقراطي.
وأضافت يجب التوقف بشكل دقيق على ان هذا الائتلاف، وتقديم أرضيته السياسية والفكرية، بما يستوجبه هذا الموضوع من ضرورة الوقوف عند ما تحقق من نضالنا المستميت، إلى جانب القوى الديمقراطية والتقدمية، التي تناضل من أجل إقرار المساواة الفعلية بين النساء والرجال، وتقييم أوضاع النساء على كافة المستويات القانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وتشخيص العقبات أمام إقرار كافة حقوق المرأة، وكذلك من أجل رسم الآفاق المستقبلية للنضال بهدف تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، والتضامن بين الأجيال، على اعتبار بأن النضال من أجل تحرير المرأة هو نضال نسقي من أجل تحرير المجتمع ككل. مضيفة إلى أهمية الموضوع ، وقالت لا يفوتني أن أسجل كذلك أهمية السياق الذي تنعقد فيه هذه الندوة، حيث تأتي في ظرف تاريخي غير مسبوق، فضحت فيه جائحة فيروس كورنا المستجد، حجم المعاناة التي تعيشها المرأة وشعوب العالم، جراء تبعات الأزمة البنيوية للنظام الرأسمالي العالمي، الذي يكرس انتهاكات الحقوق الإنسانية ضد النساء، في وقت تشهد فيه العديد من الدول وصول قوى معادية لحقوق الإنسان ولحقوق المرأة على وجه الخصوص للسلطة، بما أصبح يهدد كل المكاسب التي انتزعتها الحركة النسائية والحقوقية، وقواها التقدمية بفضل كفاحاتها الطويلة والمريرة ضد قوى الاستبداد والقهر.
وأكدت ان الفيروس كورونا احتاح العالم والمغرب كذلك، ليتأكد لنا بالملموس حجم الهشاشة التي تعيشها النساء المغربيات، بفعل تدهور الوضع المعيشي لعموم المواطنين والمواطنات جراء الزيادات المهولة في الأسعار، والإجهاز على مجانية وجودة الخدمات الاجتماعية، خصوصا في مجالات الصحة والتعليم والشغل. حيث لازالت المرأة المغربية تعاني من ارتفاع نسب الأمية والفقر والتهميش والإقصاء خاصة في البوادي والمناطق الجبلية والصحراوية والأحياء الهامشية في المدن، وتجد صعوبات حقيقية في الولوج إلى التعليم والعلاج والشغل، وتواتر حالات الولادات في ردهات المستشفيات أو خارجها وارتفاع حالات العنف والاغتصاب وانتهاك حقوق العاملات، وانتشار شبكات الاتجار في البشر، في ظل غياب آليات قانونية فعالة لحمايتهن.
فعلى الرغم من أن فيروس كورونا المستجد أصاب الناس على اختلاف مشاربهم وأعمارهم وطبقاتهم، من رؤساء الوزراء إلى عاملات الفرولة وتصبير السمك. ولم يفرق الفيروس بين شخص وآخر، حيث كابد الجميع آلام المرض، غير أن تأثير الفيروس كان متفاوتا على بعض الفئات المختلفة من الناس، إذ كان تأثير المرض على الرجال مختلفا عن تأثيره على النساء، ليس من حيث أعراض المرض فحسب، بل أيضا على الفرص الاقتصادية والتبعات الصحية على المدى الطويل.
إن أزمة وباء كورونا لم توسع الفجوة المتأصلة بين الجنسين فقط، بل كشفت عن أوجه أخرى لانعدام المساواة في المجتمعات، حيث فضح الفيروس جميع أوجه انعدام المساواة المتجذرة في المجتمعات على اختلاف مراكزها على سلم النمو، إذ وجدت النساء أنفسهن أشد تأثرا بضياع فرص العمل، ولازال هذا الخطر يتهدد النساء نتيجة الدول والمجتمعات ستواجه ركودا اقتصاديا لمدة يجهل مداها.
لقد كان نصيب النساء من البطالة أكبر نسبيا من نصيب الرجال، كما أن معاناة النساء مع العمل تتعمق مع صعوبة الاضطلاع بمهام الوظيفة والمنزل في نفس الوقت، خصوصا بالنسبة للواتي يتطلب الأمر منهن تأدية وظائفهن ولديهن أطفال يحتاجون للرعاية المستمرة. وأسهم التفاوت في الأجور بين الجنسين في مضاعفة تأثير الوباء على النساء، فلم تفقد النساء وظائفهن فقط، بل تقاضين أيضا أجورا أقل مقارنة بالرجال.
لقد طفت إلى السطح في مختلف بقاع العالم، في أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد، أوجه انعدام المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين الجنسين، وارتفاع كبير في عدد حالات المنزلي بعدما أرغم الناس على البقاء في منازلهم، في وقت تنتابهم فيه المخاوف والهموم من فقدان الشغل وقلة الإمكانات المادية لمواجهة تكاليف الحياة.
وعلى الرغم من سوداوية الصورة في مختلف بقاع العالم، حتى في الدول المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا، غير أن وضعية النساء المغربيات تبدو أكثر قساوة بفعل الانتهاكات الجسيمة لحقوقهن الاقتصادية والاجتماعية، ولا أدل على ذلك حجم الاحتجاجات من الحرمان، لعيوب شكلية، من المساعدات، التي خصصتها الدولة لدعم الأسر، وكذا تفجر البؤر الوبائية في عدد من الوحدات الإنتاجية، لتكشف الظروف اللاإنسانية التي تعمل فيها المرأة المغربية، بفعل سياسات ممنهجة لتأنيث الفقر.
وقالت حتى لا نسقط في فخ العدمية، فلقد ساعدت الجائحة وتبعاتها، على إعادة توزيع الأدوار المنزلية بين الرجل والمرأة، كما أوضحت مختلف محاور العمل لذوي الإرادات السياسية الفعلية من أجل محاربة كل أشكال التمييز ضد المرأة، إذ لا يفوتني هنا أن أجدد التعبير عن موقفنا المبارك لولوج المرأة إلى مهنة التوثيق العدلي لأول مرة في تاريخ المغرب، باعتباره لحظة فارقة على درب مكافحة التمييز ضد المرأة، وهي الخطوة الجبارة، التي ترسخ للإرادة القوية لملك البلاد، الهادفة لرفع الحيف المضروب على المرأة المغربية، ورفع كل اشكال الميز الممارس ضدها، معتبرة الخطوة ثورة نوعية غير مسبوقة.
إن نقط الضوء مثل هذه، على الرغم من أن نقط الضوء قليلة في أيامنا هذه، هي التي تعزز وترسخ قناعاتنا ومسارنا، باعتبارنا جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية النسائية المغربية، ورافد من روافد حركات التحرر النسائية العالمية. بما يمليه علينا ذلك من عمل لخلق مساحات إضافية لمشاركة المرأة في الحياة السياسية وتدبير الشؤون العامة، والنضال إلى جانب كل الفعاليات الوطنية ذات البعد الديمقراطي والحداثي على مستوى مرجعيتها السياسية، للدفاع عن الحقوق السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية والبيئية، للمرأة المغربية التي، تشكل نصف المجتمع، ورافعة بشرية ومواطنة للدفع بعجلة التقدم والازدهار، في ظل الاستراتيجية المندمجة للتنمية المستدامة للمغرب.
وإنها لمناسبة لنذكر فيها بأن نساء للائتلاف الديمقراطي الحداثي، لنا كل من موقعه ومساره، تجربة غنية، وتراكمات مهمة، حيث عقدنا العديد من المؤتمرات الوطنية والترابية، وعدد من الندوات والأيام الدراسية واللقاءات التكوينية، و سجلنا مواقف مهمة وأساسية عبر مساره النضالي، و خضنا، جماعات وأفراد، معارك من أجل التعبئة من أجل معركة التغيير الديمقراطي، ومناهضة الافكار الرجعية الظلامية، ودافعنا عن مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، كما احتفلنا باليومين العالمي والوطني للمرأة كل سنة، وكذلك شاركنا في المناسبات الوطنية والاقليمية، وذلك بالاعتماد على كافة مناضلينا ومناضلاتنا الحزب ومتعاطفينا، وذلك من أجل تحقيق أهدافنا المشتركة في ترسيخ قيم الديمقراطية والحداثة من خلال النضال المشروع دستوريا وديمقراطيا.
وذات المصدر اكدت ، إننا كنساء منخرطات في هيئات الإتلاف الديمقراطي الحداثي من أجل مغرب المستقبل ونحن نعمل على كل قضايا النساء، ونساند كل النساء المناضلات في الحركات الاحتجاجية المتنامية، سيما النساء المناضلات المكافحات في الحركة النقابية وفي صفوف القوى الديمقراطية والتقدمية، نعتبر أن تأسيس هذا الائتلاف، بانفتاحه على كل القوى الحية في المجتمع، سيعطي نفسا جديدا للنضال من أجل تذليل العقبات الكبرى التي تحول دون إقرار المساواة الفعلية بين الجنسين، وإقرار العدالة الاجتماعية والمجالية، وذلك من من منطلق النضال من أجل مجتمع ديمقراطي حداثي مساواتي يضمن الحقوق الجماعية والفردية للنساء والرجال. ويجعل من إصلاح الخلايا الأساسية في المجتمع، وفي مقدمتها الأسرة، مرجعا للتنمية والتقدم.
وحتى لا أطيل أكثر، وقبل أن أختم مداخلتي هذه، أود التذكير بأن معاركنا الأساسية في الإتلاف الديمقراطي الحداثي من أجل مغرب المستقبل، من أجل نصرة قضايا المرأة، يمكن أن نوجزها كما يلي:
• تعزيز جبهة النضال من أجل تطبيق المضامين الديموقراطية لدستور 2011، وتأويله تأويلا ديمقراطيا، بما يؤسس لدولة مدنية، تتم في إطارها ملائمة كافة القوانين الوطنية مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي تتعلق بحقوق النساء؛
• إصلاح أوضاع الأسرة المغربية كنواة أساسية في المجتمع وتعديل مدونة الأسرة لرفع الحيف ضد النساء الممارس في إطارها؛
• ملائمة مدونة الشغل مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية والعمل على التطبيق الفعلي للقوانين التي تضمن المساواة في العمل والأجر، وتحمي الحق في الأمومة وتجرم التحرش الجنسي وكل الخروقات التي تطال حقوق العاملات؛
• تعديل نسقي وشامل لمنظومة القانون الجنائي بما يتلاءم والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، وبما يجيب على واقع العنف والتمييز ضد النساء، ويضمن عدم الإفلات من العقاب؛
• إقرار وتفعيل عمل هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز ضد النساء وفق المعايير الدولية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان؛
• تعميق النضال من أجل حقوق المرأة القروية وفك العزلة عنها بتوفير كل البنيات التحتية والمرافق التي تضمن كرامتها؛
• التطبيق الفعلي لمقاربة النوع في الميزانيات الدولة والقطاعات والمؤسسات العمومية الحكومية والمجالس المنتخبة؛
• تعزيز ضمانات إشراك المرأة في عملية صنع القرار السياسي والاقتصادي الوطني والجهوي وتدبير الشأن العام ووضع الآليات المؤسساتية الدستورية والقانونية والإدارية الناجعة لإقرار ديمقراطية فعلية وحقيقية ووضع حد للتمييز القائم على النوع الاجتماعي؛
• وضع مخطط استعجالي للقضاء على آفة الأمية وتطوير التربية على المواطنة وثقافة حقوق الإنسان وتربية الناشئة على قيم المساواة بين الجنسين انطلاقا من التعليم الابتدائي؛
• وضع مخطط وطني لحماية صحة المرأة وتوفير البنيات الأساسية وخاصة في المناطق المهمشة بالمدن والبوادي كدور الولادة، والعلاج المجاني ومحاربة الأمراض المعدية والمنقولة جنسيا وأمراض السرطان؛
• تغيير الصورة النمطية للمرأة في برامج لتعليم والإعلام ونشر قيم المساواة والعدل والإنصاف.
تلكم هي المحاور الكبرى لخطنا السياسي والنضالي من أجل مجتمع حداثي ديمقراطي منصف وإدماجي، وتلكم هي المواقف والمبادئ التي تجعلنا نعتز بتأسيس هذا الائتلاف.