لقد بنى المغرب عودته إلى الاتحاد الإفريقي بناء على شرعية المؤسسات بعد ربط قرار العودة بمصادقة البرلمان المغربي على ذلك، كما أن دخول الملك محمد السادس إلى الاتحاد الإفريقي بشكل احتفالي، تحت تصفيقات الأعضاء، وبوجود خصومه داخل هذه المؤسسة، لم يكن ليحصل لولا الدور الذي لعبه أصدقاء الملكية في إفريقيا..
اليوم، أصبح موقع المغرب أقوى من السابق، بعد أن أمسك بيده ورقة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهي الورقة التي لم تكن تلعب لصالحه في البداية، والمؤكد أن أصدقاء المغرب في الاتحاد الإفريقي سيقدمون على تكريس خطوة سابقة إزاء صراع مفتعل تنفخ فيه بضعة دول، ويحد من قدرة الدول الإفريقية على التحرك بشكل جماعي(..)، حيث سبق أن طالب أكثر من نصف أعضاء الاتحاد الإفريقي بتعليق عضوية البوليساريو.
وقد سبق أن كتبت وسائل الإعلام الدولية، يوم 19 يوليوز 2016، ما يلي: ((قدمت 28 دولة عضوا في الاتحاد الإفريقي من أصل 54 دولة عضوا) ملتمسا للرئيس التشادي، إدريس ديبي إتنو، بصفته رئيس الاتحاد الإفريقي، تطلب فيه تعليق مشاركة البوليساريو في أنشطة الاتحاد وجميع أجهزته، وذلك من أجل تمكين المنظمة الإفريقية من الاضطلاع بدور بناء والإسهام إيجابيا في جهود الأمم المتحدة من أجل حل نهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء، جاء ملتمس هذه الدول بعد رسالة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى القمة الإفريقية الـ 27 التي عقدت في كيغالي عاصمة رواندا، يبلغ القمة فيها قرار بلاده الالتحاق بالاتحاد الإفريقي بعد 32 سنة من انسحابه احتجاجا على قبول المنظمة الإفريقية للبوليساريو كعضو بالمؤسسة، واستحضر قادة الـ 28 دولة إفريقية في ملتمسهم، المثل الأصيلة للصرح الإفريقي، وفاء لمبادئ وأهداف الاتحاد الإفريقي، وبالخصوص إرساء أكبر وحدة وتضامن بين الدول الإفريقية، والدفاع عن سيادتها ووحدتها الترابية، وتعبيرا عن الأسف لغياب المغرب عن هيئات الاتحاد الإفريقي، ووعيا بالظروف الخاصة التي تم فيها قبول البوليساريو في منظمة الوحدة الافريقية)).
لم يقم المغرب باختراق كبير لمؤسسة الاتحاد الإفريقي من حيث عدد الموظفين، لكنه يحظى بمكانة متميزة، بالنظر للصداقات الكبيرة التي تجمع ملكه محمد السادس مع قادة الدول الإفريقية، وكذا بالنظر إلى الدبلوماسية الملكية التي بدأ المغرب يجني ثمارها أخيرا، ((فعلى مستوى الأمم المتحدة، أقبرت القرارات الأخيرة لمجلس الأمن، المقاربات والأطروحات المتجاوزة وغير الواقعية، كما أكدت على المشاركة الفعلية للأطراف المعنية الحقيقية في هذا النزاع الإقليمي، ورسخت بشكل لا رجعة فيه، الحل السياسي الذي يقوم على الواقعية والتوافق، وهو ما ينسجم مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي.. أما على مستوى الاتحاد الإفريقي، فقد تخلصت هذه المنظمة من المناورات التي كانت ضحيتها لعدة سنوات، وأصبحت تعتمد على مقاربة بناءة تقوم على تقديم الدعم الكامل للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، بشكل حصري، من خلال أمينها العام ومجلس الأمن، علما أن الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي، ترفض الانسياق وراء نزعات الأطراف الأخرى، فقد بلغ عدد الدول، التي لا تعترف بالكيان الوهمي 163 دولة، أي 85% من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة)) (المصدر: خطاب الملك محمد السادس في ذكرى المسيرة الخضراء).
إن أكبر مفاجأة في طريقها للبوليساريو، قد تكون هي طردها من الاتحاد الإفريقي، وقد أصبحت أصوات مسؤولين سابقين مغاربة لا تخفي هذا الأمر، حيث يقول وزير الاتصال السابق والناطق الرسمي السابق باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، إن المغرب سيطرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، كما سبق له أن اعتبر في لقاء سابق مع شبيبة حزبه أن ((عملية الكركرات كانت حاسمة في قضية إقليم الصحراء)).
الغابون، والبينين، وبوركينا فاسو وبوروندي والرأس الأخضر وجزر القمر والكونغو وكوت ديفوار وجيبوتي وإريتيريا والغابون وغامبيا وغانا وغينيا وغينيا بيساو وغينيا الاستوائية وليبيريا وليبيا وإفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وساوتومي والسنيغال والسيشل وسيراليون والصومال والسودان وسوازيلاند والطوغو وزامبيا.. كلها دول قريبة من المغرب، والمؤكد أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء سيضيف دولا أخرى للائحة الرافضين للأسلوب الاستفزازي الذي نتج عنه إهدار الجهد والوقت من طرف الاتحاد الإفريقي في دعم كيان وهمي..
إن الاتحاد الإفريقي مقبل على تحولات كبيرة، فماذا لو ترشح المغرب مستقبلا لرئاسة الاتحاد الإفريقي؟ أي مستقبل للاتحاد الإفريقي بعدما قدمت إسرائيل طلبها لعضوية هذه المنظمة، بصفة مراقب؟ ألم يقل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من داخل إفريقيا: ((إنه لدينا ثقة بمستقبل إفريقيا فنحن نحب إفريقيا، وأرغب بشدة في التعاون شخصيا مع أي دولة من الدول الإفريقية ومع كينيا، بل مع الاتحاد الإفريقي))، وأضاف خلال حفل تنصيب الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، في دجنبر 2017: ((آمل أننا سنجد جميعا طريقا يفسح المجال أمام انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، لأننا نستطيع المساعدة ونستطيع ليس المشاهدة فحسب، وإنما المساعدة على بناء مستقبل أفضل لإفريقيا.. إننا نواجه حاليا تحديا آخر يتمثل في الشأن الأمني، فهناك آفة فتاكة تصيب عددا كبيرا للغاية من الدول بوجود “بوكو حرام” و”حركة الشباب” و”العناصر الجهادية” في سيناء (المصرية)، إن ذلك يشكل تهديدا علينا جميعا، وأعتقد أنه يمكننا التعاون مع دول أخرى والتعاون فيما بيننا ومع الجهات الأخرى، فإذا عملنا سوية، سندحر الهمج، إن شعوبنا تستحق أفضل من ذلك، ونملك القدرة على توفير ذلك لها)).
يد إسرائيل لم تعد بعيدة عن الاتحاد الإفريقي، وهي اليوم بخلاف الأمس، “دولة” معنية بالتعاون مع المغرب، بحكم الاتفاق الثلاثي الموقع مع أمريكا، فضلا عن تأثير استئناف العلاقات عن طريق مكتب اتصال من الرباط.
إن قبول الدول الإفريقية بعضوية إسرائيل في الاتحاد الإفريقي، إذا تم فعلا، فلن يكون خارج اعتماد الرؤية الإسرائيلية للمستقبل، وهي الرؤية التي ستدفع البوليساريو خارج الاتحاد الإفريقي في حالة توافقها مع الرؤية المغربية.
وها هي البوليساريو تواجه لأول مرة، دعوات عالمية لإلقاء السلاح والانتقال إلى الحوار مع المغرب لضمان مستقبل أفضل، وقد تناقلت عدة وسائل إعلام تصريحات أوروبية غير مسبوقة بهذا الخصوص، منها التصريح الأخير لبيدرو ألتاميرانو، الناطق الرسمي باسم “المجموعة الدولية لدعم الصحراويين”، الذي دعا من خلاله قادة البوليساريو، في شريط فيديو نشره على صفحة المجموعة وعلى صفحته الشخصية على “تويتر”، إلى ((نسيان العمل العسكري وتوقيفه نهائيا، لأنه لن يجدي نفعا مع المملكة المغربية، في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة))، كما قال معاتبا: ((لا يمكن أن تعولوا منذ الآن على العمل العسكري لتحقيق أي مكاسب في الصحراء، لأن موازين القوى العسكرية ليست في صالحكم تماما.. أنتم تعيشون في ظروف جيدة إما في منطقة فيكتوريا بضواحي مدينة برشلونة الإسبانية أو في العاصمة الفرنسية باريس)).
وقبلها استقال خواكيم شوستر، رئيس ما يسمى بـ”المجموعة المشتركة للصحراء”، وقد قال في رسالة استقالته الموجهة إلى زملائه من النواب الأوروبيين، إنه ((أقدم على هذه الخطوة بسبب انتهاك جبهة البوليساريو الانفصالية لاتفاق وقف إطلاق النار، واعتبر النائب البرلماني الألماني أن هذا الانتهاك يعد خطئا استراتيجيا خطيرا ولن يوصل إلى حل سلمي، بل من شأنه تأجيج الصراع بشكل كبير)).. وفيما يشبه الندم، أوضح شوستر أنه ((قبل برئاسة هذه المجموعة، قصد المساهمة في التوصل إلى حل سلمي لهذا النزاع، بهدف تشجيع الاتحاد الأوروبي على القيام، يدا في يد مع الاتحاد الإفريقي، بدعم مقاربة بناءة في أفق تعيين ممثل خاص جديد للأمين العام للأمم المتحدة.. لكن الأمور أخذت منعطفا دراماتيكيا مع إعلان وقف إطلاق النار من قبل جبهة البوليساريو)).
إن أزمة البوليساريو لا تقف عند حدود أزمة خارج المغرب، بل إن انهيار الوهم تأكد من داخل المغرب، بعدما انهارت المنظمات الموازية نتيجة فضح الأصل التجاري، حيث كانت المبادرة من الانفصالية أميناتو حيدر إلى إعلان حل جمعية “الكوديسا”، حيث قالت معاتبة زملاءها أنها انسحبت ((اعتبارا لما استشعره أكثر من نصف المكتب التنفيذي للكوديسا من بواعث عدم الرضى على الاستمرار في طريقة الاشتغال الحالية التي افتقدت بشكل كبير إلى روح الفريق، وباتت تنزاح شيئا فشيئا إلى التسيير المزاجي، وإلى العشوائية في التدبير))، وكانت تلك بداية التفكك قبل التورط في خرق المقتضيات الدولية، بخرق اتفاق “وقف إطلاق النار”.. الذي قد يكون صكا لطرد الجماعة الوهمية من الاتحاد الإفريقي.
إعداد : سعيد الريحاني