بقلم: الطيب العلوي
في الوقت الذي كنت أحرر لكم فيه هذه الافتتاحية، كان التحضير على قدم وساق لمراسيم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، وفي تلك اللحظة بالضبط، استقل ترامب المروحية الخضراء التابعة للقوات الأمريكية، مغادرا البيت الأبيض، ومحررا المكان والزمان(…) لخلفه جو بايدن، الذي أصبح الرئيس السادس والأربعين لبلد العم سام، مراسيم أجريت في ظروف استثنائية، حيث لم يُسمح إلا لعدد محدود بحضور حفل التنصيب، وليس مئات الآلاف كما جرت العادة، لكن “الظروف الاستثنائية” أخذت في وقتنا قناع “الروتين”، حيث لم تعد تفاجئنا الاستثناءات(…)، وإنما أصبحنا نندهش عندما بدأت تُجرى الأمور كما كانت عادةً !
مراسيم التنصيب هاته، جاءت كما تعلمون بعد أن قضى ترامب آخر أيامه بالبيت الأبيض، مسترسلا في اتخاذ مجموعة من القرارات والتدابير، ليست لها أي علاقة بما اعتدنا عليه من خرجات وتصريحات الرئيس المنتهية ولايته، قرارات أخذت صورة “استثنائية” هي الأخرى، لكونها لا تشبه سلوك صاحبها(…) من جهة، ومن جهة أخرى، تبقى سجينة بين قوسين، ما دمنا لم نسمع رأي الخلف بايدن بشأنها(…).
ورغم أن بعض العارفين بالسياسة الأمريكية أصدروا مؤخرا تقارير تؤكد أن غالبية القرارات المتدفقة من مكتب ترامب، سيستمر تأثيرها لأجيال مقبلة رغم مغادرته البيت الأبيض، وجدليته التي انتهت بتخلي كل مساعديه عنه، وبـ”هشاشة” حصانته التي تأثرت مثلا بتعرضه للمساءلة مرتين بصورة تاريخية من قبل الكونغريس الأمريكي، ومغادرته البيت الأبيض بنسبة تأييد لم تتجاوز الثلاثين بالمائة، لتبقى بذلك قرارات مكتبه لا تعبر إلا عن رأي صاحبها(…)، وتصبح الكلمة الموالية في الأمور، كي لا أقول الأخيرة(…)، للمكتب الجديد، ولكل واحدة منها.
أما نحن المغاربة، فما يجمعنا بهذا السياق، هو أننا سنظل نميل على الأقل نحو الجانب الأقل تصلبا في المواقف(…)، لكون القرارات التي اتخذها المكتب الأمريكي السابق في حقنا تبقى إيجابية على كل حال، خصوصا وأنها، لحسن الحظ، تتقوى مع مرور الأيام، كنشر الأمم المتحدة هذا الأسبوع لقرار اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء، وإحالته على مجلس الأمن باللغات الرسمية الست للأمم المتحدة، أو تصفيق مرشح بايدن لتسلم حقيبة الخارجية، “أنتوني بلينكن”، لاتفاقيات التطبيع التي أبرمتها الدول العربية(…) مع إسرائيل تحت إشراف إدارة الرئيس ترامب.
لكن فيما تبقى من الأمور، فيظل مصيرنا في نفس القفة، ومصير باقي قرارات ترامب، بمعنى، أنها بين أيدي المكتب الأمريكي الجديد، أو بالأحرى على نفس المكتب الخشبي العريق للرئيس، والذي سيتم فقط تنظيفه(…) وتلميعه قبل أن يدخله بايدن، الذي وعد الجميع، على بُعد ساعات قليلة من توليه المنصب، أنه سيشرع في توقيع مجموعة من الأوامر التنفيذية فور دخوله للبيت الأبيض، لثلّة مهمة من القرارات التي صرحت بها إدارته.
وفي الوقت الذي بدأت فيه أولى مؤشرات القرارات التي سيأتي بها الرئيس الأمريكي الجديد تؤكد على اختلافه في الرأي والنظر(…) مع سلفه، كتحركه نحو الرفض الفوري للمرسوم الجديد الذي أصدره ترامب بشأن قواعد السفر المفروضة على الأجانب القادمين إلى الولايات المتحدة، أو عودة أمريكا لاتفاق باريس للمناخ، وتعليق مشروع بناء الجدار العازل مع المكسيك، نبقى نحن المغاربة في انتظار ما ستأتينا به الظروف(…)، لمعرفة ما إذا كانت قرارات الرئيس المنتهية ولايته والمُتَّخَذَة في حقنا، قرارات عادية لرئيس أمريكي موثوق(…) ذي “كلمة مسموعة”، أم أنها ستُستثنى هي الأخرى وتُعزَل، كما بدأ يغلب الاعتزال والاستثناء على العادة هذه الأيام(…).