بقلم : أحمد نورالدين، كاتب ومحلل سياسي
لقد عرف ملف الصحراء المغربية تحولات استراتيجية على عدة مستويات، كان أبرزها افتتاح 23 قنصلية اجنبية في مدينتي العيون والداخلة، تمثل دولا عربية وإفريقية ومن امريكا اللاتنية. وقد شكل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية في العاشر من دجنبر 2020 بالسيادة المغربية على إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب منعطفا جيوسياسيا غير مسبوق في تاريخ النزاع الذي تقوده الجزائر منذ نصف قرن ضد وحدة المغرب وسلامة اراضيه، واكيد ان هذه الخطوة سيكون لها انعكاسات على مسار القضية سواء داخل اروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، او على صعيد الموقف الغربي والدول الأوربية عموما، وذلك بالنظر إلى كون واشنطن هي حاملة القلم في القرارات الاممية ذات الصلة بقضية الصحراء، بمعنى انها هي التي تتولى كتابة مسودة كل مشاريع القرارات في هذا الموضوع قبل عرضها على مجلس الأمن للنقاش والتصويت، وبالتالي من المتوقع أن يشهد التعاطي مع الملف منحى جديدا يتماشى مع الموقف الامريكي المساند للشرعية التاريخية لمغربية الصحراء، او على الاقل هذا ما يفترض ان يكون.
ولا شك ان الموقف الامريكي سيؤثر بطريقة مباشرة او غير مباشرة على مواقف الدول الأوربية التي غالبا ما تصطف مع واشنطن في بؤر التوتر الدولية على اعتبار التحالف الاستراتيجي بين هذه الكتلة الجيوسياسية التي يطلق عليها “الغرب”، والتي تلعب فيها واشنطن دور الموجه والبوصلة لأسباب اقتصادية وسياسية واخرى امنية وعسكرية.
ولعل مما سيعزز تسريع الاعتراف الاوربي بسيادة المغرب على كامل أراضيه من طنجة الى الكويرة، هو ان القرارات الأممية منذ 2007 وهي تتحدث عن الحل السياسي الواقعي المتوافق عليه، مما يعني ان الحل لن يكون خارج السيادة المغربية، وبما ان المنتظم الدولي تاكد بأن الجزائر هي الطرف الذي يغذي هذا النزاع بالمال والسلاح وأن الجزائر هي التي تحتضن المشروع الانفصالي وتسخر له كل آلتها الدبلوماسية، وتاكد لدى العالم ايضا ان الجزائر هي التي تعرقل كل الحلول التي طرحت لإيجاد مخرج لهذا النزاع ومنها رفض الجزائر لمخطط جيمس بيكر الاول من خلال رسالة وقعها الرئيس الجزائري سنة 2001 موجهة الى رئيس مجلس الأمن والامين العام للأمم المتحدة، وقبل ذلك عرقلت الجزائر الاستفتاء من خلال انسحاب ممثلي الجبهة الانفصالية من لجان تحديد الهوية، وأخيرا من خلال تحريضها لميلشيات الانفصاليبن على إجهاض مسلسل التسوية بسبب الاعتداء على سلامة الطريق الدولية الرابطة بين المغرب وموريتانيا على مستوى معبر الكركرات، ثم بدفعها الجبهة الانفصالية للانسحاب والتحلل من اتفاق وقف إطلاق النار وإعلان الحرب “الكرتونية” على المغرب، حيث وصل عدد البلاغات الحربية الى حوالي 150 بلاغا تقر فيها جبهة تندوف بالهجوم والعدوان على المغرب، بعد كل هذه الأحداث وبالنظر الى كل هذه الحيثيات من المفترض في كل دولة تحترم الشرعية الدولية ان تسحب غطاءها عن المؤامرة الجزائرية وخطتها المكشوفة لضرب استقرار المغرب والتي تهدد السلام في المنطقة الممتدة من الصحراء إلى جنوب المتوسط برمتها. وسيكون من العبث الاستمرار في مسلسل اللامفاوضات الذي استمر ثلاثين سنة قدم فيها المغرب جملة من التنازلات وقدم فيها المتظم الدولي العديد من المبادرات كان مصيرها كلها العرقلة والصد من الطرف الجزائري والانفصالي.
وفوق كل هذا كان من الأجدر بالدول الأوربية عموما وفرنسا وإسبانيا خصوصا ان تكون السباقة الى الإعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، لان هذه الدول كانت اما شاهدة على تقسيم اراضي الامبراطورية الشريفة كما كان يطلق على المغرب في القرن التاسع عشر مثل المانيا التي احتضنت مؤتمر برلين 1884 وإسبانيا التي احتضنت معاهدة مدريد 1880، وإما ان هذه الدول الأوربية كانت متورطة في تقسيم اراضي المغرب لمناطق نفوذ وهذا ما ينطبق على فرنسا واسبانيا، من خلال اتفاقيتيهما مع المغرب كل على حدة في للامغنية 1845 ثم تطوان 1860، او الاتفاقيتين السريتين بين باريس ومدريد سنتي 1902 ثم 1904 حول المغرب ثم اتفاقية 1905، وبعدها اتفاقية الجزيرة الخضراء 1906، وصولا الى اتفاقية خط ترانكي ligne Trinquet للعام 1938. ويكفي الرجوع إلى هذا الارشيف الأوربي لينكشف حجم المؤامرة الأوربية لتقسيم اراضي المملكة المغربية وتقزيمها وتقليص مجالها الحيوي واقتطاع أجزاء كبيرة من حدودها الحقة والاصلية.
وإلى جانب هذه الحجج التاريخية، هناك ازدواجية مرفوضة تمارسها الدول الأوربية على المستوى الدبلوماسي فهي تعترف للمغرب بالصحراء في اتفاقيات الصيد البحري لأنها تهدد الآلاف من مناصب الشغل للصيادين الإسبان والأوربيين، ولكنها ترفض الحسم في موقفها النهائي من السيادة المغربية، رغم استيقانها من شرعية الموقف المغربي، وهذا لا يجد تفسيره الا في الانتهازية الأوربية التي تمارس الابتزاز على المغرب باللعب على الحبلين وإبقاء شمعة النزاع مشتعلة لانتزاع المزيد من الامتيازات والصفقات الاقتصادية والعسكرية.
ويبدو ان فرنسا التي كانت طيلة هذا النزاع الأقرب إلى المغرب خطت الاسبوع المنصرم خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح من خلال افتتاح حزب “الجمهورية الى الأمام”، حزب الرئيس الفرنسي ماكرون، فرعا له في مدينة الداخلة سيحتضن تمثيلية الحزب على مستوى شمال وغرب افريقيا، وتاتي هذه الخطوة في أعقاب نداءات العديد من الشخصيات السياسية الفرنسية والاوربية للاعتراف الكامل والتام بسيادة المغرب على الصحراء، وآخر هذه الاصوات السناتور الفرنسي كلود كيم نائب رئيس لجنة الشؤون الأوربية بمجلس الشيوخ الفرنسي.
كما أن فرنسا وإسبانيا تتخوف من ان يفوتها القطار في المشاريع الاستثمارية الكبرى التي ستعرفها الصحراء المغربية سواء في البنيات الطرقية والسككية والمينائية وبقية الاوراش الكبرى، او في استغلال الكنز الأطلسي تحت البحر. ولعل في افتتاح الصين لبعثة اقتصادية في الأقاليم الجنوبية وتزايد عدد شركاتها بالاقاليم الجنوبية، وزيارة وفد اقتصادي حكومي روسي للعيون، وقبل ذلك زيارة نائب وزير الخارجية الامريكي، ديفيد شنكر، لمدينة الداخلة للاطلاع على اشغال تهيئة البناية التي ستحتضن القنصلية الأمريكية العامة، بالإضافة إلى مناورات الاسد الافريقي التي ستشمل مناطق في الصحراء المغربية بمشاركة دول أوربية وافريقية وعربية، لعل في ذلك كله إشارات للتحولات الجارية والتي تدق في نفس الوقت ناقوس الخطر لدى جيراننا في الشمال للتسريع بركوب القطار قبل فوات الأوان.
وقد فهم المغرب منذ فترة طويلة اهمية تنويع الشراكات الاستراتيجية خارج الحلفاء الكلاسيكين في الضغط على الدول المترددة في مساندة الشرعية والاعتراف بمغربية الصحراء ، كما أن المملكة ارسلت عدة رسائل واضحة واخرى مشفرة حول الأوراق التي يملكها المغرب ولعل من بينها التعاون الأمني والشراكة الاقتصادية التفضيلية وإغلاق الحدود مع المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية وغيرها كثير.
وعلى اي بر رست سفينة القرار الاوربي فالمؤكد ان المتغيرات الاستراتيجية التي عرفتها قضيتنا الوطنية المقدسة، وتعرفها الساحتان الإقليمية والدولية تسير باتجاه الطي النهائي لهذا النزاع في السنوات القادمة بما يعزز وحدة الوطن وسلامة اراضيه، ولكن ذلك يستدعي مضاعفة التعبئة على كل المستويات لخوض آخر المعارك في الاتحاد الافريقي واللجنة الرابعة.