أحمد نورالدين باحث في القضايا الدولية متخصص في شؤون شمال افريقيا
أكيد ان تغيير وزيرة الخارجية الاسبانية يعبر عن رغبة الحكومة الاسبانية في انهاء ازمة الثقة مع المغرب، وهي الازمة التي تفجرت بسبب تراكم الاخطاء في حق المغرب وقضيته المقدسة، حيث توالت الطعنات الغادرة من طرف اسبانيا، بدءا من تصريح الوزيرة ارانشا لايا في نونبر 2020 انها فتحت قنوات الاتصال مع فريق بايدن في الادارة الامريكية الجديدة قصد مراجعة الاعتراف الامريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، وهو موقف عدائي لا يقبل التاويل، وصولا إلى قضية زعيم الانفصاليين، ابراهيم غالي، الذي دخل مثل اللص الى التراب الاسباني متخفيا في جنح الليل تحت هوية مزورة باسم بن بطوش، وبجواز دبلوماسي جزائري وطائرة الرئيس الجزائري ايضا، وهي حادثة أثبتت تواطؤ اسبانيا مع اعداء المغرب والتنسيق مع النظام العسكري الجزائري في الكواليس دون اخبار المغرب ولو من باب رفع العتب، بل والتحايل على القضاء الاسباني نفسه الذي اصدر مذكرتين لتوقيف زعيم الانفصاليين في قضايا تتعلق بالاغتصاب والإرهاب.
ولا شك ان اقالة السيدة ارانشا لايا هي اشارة ايجابية تجاه المغرب، وهي خطوة اسبانية ودية لا تخفى دلالتها، ودليل على الاهتمام الذي توليه اسبانيا للعلاقات مع المغرب، واكيد ان حكمة المغرب تقتضي الرد على التحية بمثلها، ولكن مع وضع كل النقاط الخلافية على مائدة الحوار، حتى لا تتكرر الاخطاء مستقبلا وحتى نتفادى سوء الفهم الذي يتردد بشكل دوري ويعكر صفو العلاقات بين الفينة والاخرى. لذلك على المغرب ان يطرح بحكمة ولكن بقوة كل المشاكل القديمة والجديدة، سواء تعلق الأمر بمطالبة اسبانيا بتصحيح الخطأ التاريخي الذي تسببت فيه والذي أدى إلى خلق مشكلة الصحراء من اساسه، وهي تعلم انها ارض مغربية احتلتها في ظروف وملابسات بدات مع معركة تطوان ومؤتمر برلين وانتهت باتفاقيات سرية بين فرنسا واسبانيا لتقاسم النفوذ على الأراضي المغربية. ولا أدل على إقرار اسبانيا بمغربية الصحراء من أن حاكم اسبانيا في منطقة الريف والذي كان يتخذ من تطوان مقرا له، كان هو نفسه حاكم الساقية الحمراء ووادي الذهب، وحتى بعد تحرير الريف من الاستعمار الاسباني سنة 1956، اصبح حاكم سيدي أفني الى غاية 1969 هو حاكم الصحراء التي كانت تسمى الصحراء الاسبانية.
اذن على اسبانيا ان تصحح الجريمة التي اقترفتها في حق المغرب وتعترف بالسيادة المغربية على الصحراء اسوة بالولايات المتحدة واحتراما للتاريخ ولاتفاقية مدريد التي وقعتها.
النقطة الثانية هي سبتة ومليلية والجزر المحتلة وهي حوالي عشرة جزر في شمال المغرب، ولا يتعلق الامر بالجزر الجفرية الثلاثة فقط، وعلى اسبانيا إعادتها للمغرب وفقا لاجندة محددة يتم الحوار والتفاهم بشانها، بما تقتضيه الأصول الدبلوماسية والاعراف المرعية، ولنا في اتفاق الصين مع بريطانيا حول هونغ كونغ مثال يمكن استلهامه.
وهناك ملف الاعتذار لجريمة الحرب التي ارتكبتها في حق ساكنة الريف بسبب القصف الكيماوي للمدنيين، والتعويض المادي والمعنوي للضحايا خاصة وان تبعات هذا الملف مازالت مستمرة ومنها انتشار ظاهرة السرطان في منطقة الريف بنسب مهولة، بالإضافة إلى تشوهات خلقية اخرى لدى الساكنة ترجعها بعض الدراسات الى التاثير بعيد المدى للاسلحة الكيماوية المستعملة من طرف الجيش الاسباني.
ولا يمكن ان نقفز على جريمة اخرى ضد الإنسانية هي طرد المورسكيبن من الاندلس في نقض واضح للاتفاق الذي ابرمته إيزابيلا الكاثوليكية مع ابي عبدالله آخر ملوك بني الاحمر، دفين فاس، وقد يقول قائل ان الامر يعود إلى خمسة قرون، والجواب ان اسبانيا قدمت اعتذارا وتعويضا معنويا في السنوات القليلة الماضية للموريسكيين اليهود، واستثنت الموريسكيين المسلمين، وهذا التعامل العنصري هو جريمة اخرى ترتكبها اسبانيا في حق المورسكيين.
كل هذه القضايا وغيرها يجب ان تطرح على طاولة المفاوضات حتى تتحول الازمة الحالية بين اسبانيا والمغرب الى فرصة حقيقية لبناء اسس متينة لعلاقة استراتيجية تملك كل مقومات النجاح، وتملك مخزونا هائلا للتنمية الاقتصادية والتجارية بحجم قارتي افريقيا واوربا ، وحتى نضمن عدم تفجر الألغام والازمات بين الفينة والأخرى.