بقلم: عماد بنحيون
لطالما تطلعت شعوب الاتحاد المغاربي بصفة عامة وشعبا المغرب والجزائر بصفة خاصة، إلى انبلاج فجر جديد للوحدة، ورص الصفوف لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي أصبح العالم يرزح تحت رحمتها، و كان الخطاب الأخير لعاهل المغرب الكبير، الملك محمد السادس، الذي جدد الدعوة فيه للجزائر، للعمل سويا دون شروط من أجل بناء الثقة، لأن الوضع الحالي غير مقبول – حيث لا يوجد أي منطق يمكن أن يفسر الوضع الحالي، لأن أسباب إغلاق الحدود مع الجزائر أصبحت غير مبررة – فأكد للأشقاء في الجزائر أن الشر والمشاكل لن تأتيهم من المغرب، وأن أمن الجزائر واستقرارها من أمن المغرب واستقراره، وما يمسنا يمسهم، فدعا إلى تغليب الحكمة والمصلحة الوطنية من أجل إنهاء الوضع القائم مع الجزائر، وفتح الحدود، وأكد بعد هذا الخطاب التاريخي هذه النوايا الحسنة، بتفضل جلالته، وإعطاء تعليماته لوزيري الداخلية والشؤون الخارجية، من أجل التعبير لنظيريهما الجزائريين، عن استعداد المغرب لمساعدة الجزائر في مكافحة حرائق الغابات التي شهدتها العديد من مناطق البلاد، فتمت تعبئة طائرتين من طراز “كنادير”، للمشاركة في هذه العملية، بمجرد الحصول على موافقة السلطات الجزائرية، لكن النوايا السيئة والأهداف الخفية غير المفهومة لنظام العسكر الجزائري، أبت إلا أن تقود سياسة قصر المرادية ضدا على إرادة الشعوب إلى معركة السب والقذف والاتهام لليد الممدودة، في محاولة يائسة لزرع التفرقة بين دول المنطقة، وتحويل النظر عما تعرفه البلاد من تطاحنات داخلية وثورات ومحاولات لكبح جماح الأصوات الداعية إلى القطع مع السياسات التي تخدم مصالح أفراد بعينهم يريدون استغلال التفرقة لتحقيق أغراض شخصية والاغتناء من وراء المساعدات الإنسانية الدولية بالأقاليم الجنوبية بالجزائر بمخيمات العار بتندوف.
مثير للشفقة إذن، أن لا يستطيع نظام دولة كاملة الأركان التخلص من عقدة النقص والاستعمار، وأن يخلط بين الاتحاد والاستعمار والخوف الزائد من الاستيلاب الفكري والتاريخي من طرف دول الاتحاد، فصحيح أن المملكة المغربية إمبراطورية عريقة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وأصبحت في عهد الملك محمد السادس دولة الأمن والأمان والاستقرار، ويحسب لها ألف حساب بنادي الكبار، وصحيح أن دولة الجزائر حديثة النشأة والتكوين بعدما كانت تعتبر إلى عهد قريب إحدى الإيالات العثمانية منذ القرن 16 الميلادي، إلى أن احتلتها فرنسا في إطار سياستها الاستعمارية سنة 1830، فهناك دول وكيانات حديثة النشأة استطاعت أن ترسم لنفسها شخصية متفردة وناضجة في إطار اتحادات، حيث بواسطة ثرواتها وإمكانياتها الطبيعية كان بإمكان الجزائر، بدلا من الارتماء في أحضان فرنسا، والسعي نحو كبح جماح الثورة الدبلوماسية والاقتصادية للمملكة المغربية بشتى الوسائل، أن تسعى لوضع يدها في يد المملكة وأن تخلق لنفسها كيانا منسجما ومنتجا على المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي والجماعي بين دول الاتحاد المغاربي بدون أي عقدة نقص أو توجس من استلابها من طرف العمق التاريخي والثقافي والاقتصادي للمملكة المغربية، خصوصا وأن التاريخ يشهد أن للحركات السكانية بين الشعبين الجزائري والمغربي بالغ الأثر في التلاقح والامتزاج، والتأثير والتأثر، وشكلت مجتمعة رافدا ثقافيا وفكريا تفردت به المنطقة وزادها غنى وتعددا، فالجزائريون يعرفون تمام المعرفة أن المغرب كان دوما، ولازال، محط استقطاب للأفراد والجماعات من الجزائر، فقد سبق للتاريخ أن سجل بمداد الفخر والاعتزاز أروع الصفحات في التآزر المغربي الجزائري، عندما لم يقف أهل المغرب عند حد التعبير عن العواطف الجياشة عند استقبالهم للأسر الجزائرية بعد هجرتها الكبرى على إثر الاحتلال الفرنسي لبلدها، بل قدم لهم المغاربة المساعدات المادية والمعنوية وحتى العسكرية، والبر بهم والعمل على تلبية مطالبهم وإعانتهم على الاستقرار والاستيطان بالمغرب.
فكيف سيقتنع نظام الحكم بالجزائر أن تلاحم الشعوب وتكاملها فيما بينها وتلاقح الثقافات يعود دوما بالإيجاب على البلدان، لأنها بواسطته تمتح العقول والكيانات من خبرات جديدة متكاملة ذات حساسية خاصة ومقاومة جديدة من ذاكرة حضارية مختلفة، مما يقوي مناعة الدول لتبني أنظمة تحترم التعددية والاختلاف، يتقاسم فيها الأفراد والشعوب والمؤسسات الثروات ونماذج النجاح والمنافسة المثالية فيما بينهم، ليحلم كل واحد منهم بأن يكون على خطوات الآخر من دون أن ينسى طبعه الأصلي.