عبد الفتاح نعوم ، باحث بمركز المغربي الاقصى للدراسات والابحاث
أفضل إختبار للمعرفة، وبعد تحصيلها بالدرس والتمحيص والتدقيق وإعمال النقد والتحليل، هو أن توضع في موضع الدفاع عن القيم الإنسانية، أي عن مصالح الإنسان الماثلة أساسا في أمن مواطنه واستقرارها وحفظ تماسك وترابط مجتمعات تلك الأوطان، ثم الدفاع عن حق الإنسان في المعرفة والغذاء والعمل والتفكير والإبداع، وبهذا يتطابق معنى المعرفة سواء أكانت علمية أم غير علمية مع أهداف ومنطلقات أخلاقية هي ما تميزها عن أي معرفة أخرى، حتى وإن لبست لبوس العلمية، كالدجل والنصب والاحتيال باسم الاوصاف الاكاديمية والانتساب إلى مجموعات بحث أو جامعات أو مراكز أو ما شابه، بقدر ما أن شرط العلمية ليس هو فقط مقتضيات وذظائف الوصف والتفسير والتنبؤ والتحكم التي يتغياها أي علم، ولكن باعتبار التحيزات الإنسانية والوطنية لذلك العلم أصلا كان أم فرعا، وإلا لجاز اعتبار القمار والاحتيال أيضا علوما لانهما يستعملان نفس قوالب العلم وأدواته، لكن لغايات لا أخلاقية تماما.
وعلاوة على هذا، فإن اختبار المعرفة يقتضي من المعتد بها، بعد جهد التحصيل والتعلم الدائم، أن يضعها امام ما يناقضها، وان يقتحم بكل جرأة كل المساحات والقضايا ويشتبك معها، خصوصا إذا تعلق الأمر بقضايا مجتمع كالمجتمع المغربي، مجتمع معرفة حقيقي، يحترم رجال المعرفة من أيام الفقيه إلى عصر الجامعات العصرية، يحترم على حد سواء العلماء البارزين، وطلاب المعرفة المثابرين، ويلقي على كاهلهم مهام الدفاع بالكلمة والحرف عن قضايا الوطن المصيرية الكبرى، عن الدين والتراب والملكية والاختيار الديمقراطي، فكيف يتنكر من احتضنه الشعب المغربي العظيم من نعومة أظافره في مؤسسات التعليم وفي البنيات الثقافية والاجتماعية المغربية الزاخرة بالمعرفة وجواهرها، لتلك القضايا، سواء بمهاجمتها بداعي الحياد تارة، او الارتماء في حضن من لا يريد الخير لهذا الوطن تارة أخرى، أو حتى بالصمت والتجاهل.
أعتقد أن مساءلة أدوار المثقفين حيال القضايا المصيرية للشعوب والأوطان تشكل أفق بحث وتفكير حقيقيين، دونما الالتفات إلى من يشتهي تصنيف الفاعلين الاجتماعيين في حقل المعرفة إلى مثقفين وأشباه مثقفين إنطلاقا من دوغمائية تنكر وصف “المثقف” على كل مختلف، ولدى العجز عن الرد والدفاع عن أي طرح متهالك بائس مغلوط، ودونما إغفال أن أصوات أمثال هؤلاء ليست سوى “رنين أجوف متغطرس” على حد تعبير فريدريك أنجلز وهو يواجه دوهرينغ، ذلك أنهم لا يعرفون مطلقا ماذا تعني عبارة “مثقف”، فبالكاد تصنيف من هو كذلك ومن هو شبيه به.