كان لدخول العثمانيين في حرب مع روسيا في السادس من أكتوبر عام 1768 بتواطؤ مع النمسا وبروسيا ، ثم انهزام السلطان مصطفى الثالث أمام الإمبراطورة كاترينا دورا كبيرا في توطيد العلاقات المغربية العثمانية .
فبمجرد أن استرجع العاهل المغربي محمد الثالث الجديدة عام 1769 ، اتجه إلى دعم الأتراك بكل ما يستطيع اقتصاديا و عسكريا .
بعد هزيمة العثمانيين في تلك المعركة ، أرغم العثمانيون على توقيع معاهدة قينارجيه التي نصت على تخلي العثمانيين على بلاد القرم عام 1773 لصالح الروس ، الذين ما لبثوا أن امتلكوا بعد ذلك كل سواحل البحر الأسود .
كل هذه الأحداث الخطيرة كانت تصل إلى مسامع العاهل المغربي ، مما دفعه إلى التدخل لإفشال المؤامرة التي تستهدف الدولة العثمانية و الإجهاز عليها بسرعة، و تسعى للسيطرة على طريق بيزنطة .
قام العاهل المغربي بالإتصال بالإمبراطور النمساوي الذي بينه وبين العثمانيين خلاف كبير ، وبعث إليه سفارة محملة بهدايا ثمينة ، واتصل بالإمبراطورية الروسية كاثرينا ، حيث قرر السماح للتجار الروس بدخول الموانئ المغربية ، قبل أن يبعث برسالة أخرى للإمبراطورة مؤرخة في يوم 20 جمادي الثانية عام 1192 هجرية الموافق ل 19 يوليوز 1778 على ما هو محفوظ في تاريخ العلاقات المغربية الروسية .
كل هذا العمل الجبار من عاهل المغرب ، ساهم في تطويق الخلاف وتلطيف الأجواء بين العثمانيين و أعدائهم الدوليين ، كما أنه أدى إلى تحرير الأسرى الأتراك من قبضة النمساويين ، حيث قدمهم السلطان المغربي هدية للباب العالي في إسطنبول .
بعد دخول النمساويين في حرب ضد العثمانيين ، بعث السلطان المغربي رسالة إلى كافة القنصليين الأجانب بالمغرب ، يصرح فيها بتضامنه مع الدولة العثمانية، و أن كل من عقد صلحا مع السلطان العثماني فهو صلح معنا ، وكل من دخل معه في عداوة فهو عدو للإمبراطورية المغربية .
كان للتدخل المغربي أثرا إيجابيا على العثمانيين ، حيث قام بتحييد النمساويين عن مواجهتهم في عز حربهم ضد الروس ، وقام بتحييد الروس و باقي الأوروبيين لما نشبت الحرب بين العثمانيين والنمساويين ، مما جعل الدولة العثمانية تتجنب أن تكون فريسة لتحالف دولي صليبي محتمل ضدها .
جمعت هذه المعطيات التاريخية باختصار من المجلد التاسع – الصفحة 218 وما بعدها – من موسوعة ” التاريخ الديبلوماسي للمغرب ” لشيخ المؤرخين المغاربة والديبلوماسي السابق المحافظ د. عبد الهادي التازي .