لما نشر الأمويون الإسلام في بعض مناطق المغرب ، وظهر من بعض ولاتهم الظلم والجور في أواخر وجودهم في بلادنا ، تأسست إمارات مستقلة صغيرة أشبه ما تكون بالجهويات ، كسجلماسة التي تبنت منهج الخوارج الصفرية ، و إمارة بورغواطة الوثنية، ثم إمارة الأدارسة التي كانت أقواها و أكثرها نفوذا و انفصلت عن العباسيين ، وبعدها إمارة المغراويين التي تحالفت مع الأمويين في الأندلس لصد التوغل الشيعي العبيدي ( الفاطمي) في بلاد المغرب .
من خلال بروز هذه الإمارات ، ظهرت بوادر الشعور القومي لدى المغاربة بضرورة تشكيل دولة مستقلة و قوية ، وهذا ما نجح في تحقيقه الملثمون (المرابطون ) الذي اعتمدوا على العصبية الصنهاجية لتوحيد المغرب سياسيا ومذهبيا ، وانتقلوا بها من منطق العصبية القبلية إلى منطق الدولة التي تذوب فيها كل العصبيات المصمودية و الزناتية و العربية والأندلسية ، وتتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن حوزة الوطن .
و هذا ما كان يحدث أيضا عند سقوط الإمبراطوريات التاريخية للمغرب ، حيث تتشكل إمارات صغيرة في مختلف جهات المملكة ، ثم تستطيع إحدى عصبياتها توحيد البلاد ، إلى أن جاء الشريف والسلطان العظيم مولاي إسماعيل العلوي الذي إتكأ على جيش عبيد البخاري لتثبيت مركزية الحكم والحفاظ على استقرار البلاد بعيدا عن العصبيات القبلية .
حكم المغرب منذ 13 قرنا ثلاث قبائل أمازيغية كبرى، وهي مصمودة وصنهاجة و زناتة بالإضافة إلى المكون العربي الذي دائما ما يتكئ على إحدى هذه العصبيات الثلاث في تثبيت مركزية الحكم عند قدرته على توحيد بلادنا من جديد ، بينما لم نشهد حكما مركزيا للعصبيات الجزائرية، التي كانت مجرد شعوب مشتتةو خاضعة للإستعمار في الغالب ، أو تستقل على شكل إمارات صغيرة عند سقوط الإمبراطوريات المغربية وتدهور الأوضاع السياسية ، ولم تشهد حكما مركزيا إلا على يد العثمانيين و الفرنسيين .
من خلال ماسبق ، فإن الإنسان المغربي بمختلف مكوناته وعصبياته القبلية هو من كانت له الفاعلية و التأثير ، وهو المحرك الأساسي لعجلة التاريخ في المنطقة ، وحافظ على تراكمية واستمرارية الأمة المغربية.