تعرضت مصر لحملة نابوليون الأول عام 1213هـ، فاهتز الشعب المغربي لهذا المصاب الجلل ، وكان للحجاج المغاربة دور فعال في مساهمة بلدهم في الدفاع عن أرض الكنانة، وتألف لهذه الغاية أكثر من كتيبة من المجاهدين، وقاد الكتيبة الأولى علامة مراكش الشيخ محمد الجيلالي السباعي ، وحسب الجبرتي فقد كان هذا الشيخ المغربي حين الحادثة مجاورا بمكة المكرمة، ولما وردت أخبار الحملة للحجاز ضج الناس بالحرم الشريف، وصار هذا الشيخ يعظ الناس ويدعوهم إلى الجهاد، وقرأ بالحرم كتابا مؤلفا في معنى ذلك، فاتعظ جملة من الناس وبذلوا أموالهم وأنفسهم، وقد وصلوا- فعلا- إلى مصر في جموع كثيرة، وحاربوا الفرنسيين، وثبت الشيخ السباعي في جماعة إلى أن توفي بأرض مصر.
أما الكتيبة الثانية فقد كانت بقيادة زعيم يدعى ابن الاحرش من عرب المغرب الأقصى، وقد وفد منه للحج، وهناك نظم جيشا جمعه من أهل المغرب العربي، ثم انضم إلى الجيش المصري وأبلى بلاء حسنا.
أما على مستوى القيادة المغربية ، فقد وجه السلطان العثماني سليم الثالث رسالة إلى السلطان المغربي المولى سليمان ، يخبره بهجوم الفرنسيين على مصر بغتة ، و ما اقترفه المحتلون من فظائع ضد المدنيين ، و بانه عين القائد احمد باشا الجزار لمقاومة الفرنسيين و ذكر له أنه تحالف بهذا الصدد مع الانجليز، و طلب من المولى سليمان المساعدة في تسهيل نقل الذخائر عبر مضيق جبل طارق لإيصالها إلى المجاهدين .
فلم يكتف المولى سليمان بتسهيل نقل السلاح و الذخائر الحربية الى المشرق ، و لكنه ساعد أيضا بالإعانة المباشرة عن طريق حث المتطوعين على الإلتحاق بميدان الشرف في مصر .
يقول في ذلك شيخ المؤرخين المغاربة و الديبلوماسي المحافظ والمستشار الملكي الأسبق د .عبد الهادي التازي – رحمه الله – :
{ وقد صادفت السنوات الأولى لملك السلطان المولى سليمان مداهمة نابليون الأول للإسكندرية ، صيف سنة 1789= أوائل سنة 1213 ، وهكذا اتجه الباب العالي نحو السلطان المولى سليمان برسالة تفيض عاطفة ، وتصف أهداف نابليون داعية إلى توحيد الجهود من أجل إحباط أحلامه .
ولم نقف على نص هذه الرسالة المؤرخة يوم 3 ربيع الأول 1213= 15 غشت 1798 بعد شهر ونصف من نزول نابليون بالإسكندرية ، ولكني حصلت على ترجمتها بالإنجليزية بمساعدة الباحث الأمريكي الزميل نورمان سيكار …وقد كان بعث بها الوزير المعتمد لجلالة الملكة البريطانية في إسطانبول .
( …لقد حط نابليون بونابارت في الإسكندرية ..وهو يخطط لاقتحام مكة و المدينة وبيت المقدس ، ولهذا قد أصبح واجبا في الدين على سائر المؤمنين سواء أكانوا في الشرق أو الغرب ، وسواء أكانوا عربا أو عجما أن يوحدوا صفوفهم لمناهضة هذا الكافر …و إن الأمل معقود عليكم أيها #السيد #العظيم لتدافعوا من أجل حماية حوزة الإسلام و المسلمين… ).
وقد عثرت في إسطانبول على نسخة من الرسالة التي أردفها السلطان سليم الثالث إلى السلطان المولى سليمان ، وكانت بتاريخ 19 شعبان 1213 = 27 يناير 1799 ، يفصل فيها أخبار هجوم نابليون الأول على مصر بغتة ، وما اقترفه المحتلون من فظائع ضد العلماء والنساء و الصبيان ، ويعلمه بأنه عين القائد أحمد باشا الجزار لمناهضة المهاجمين ، كما يعلمه بأن العثمانيين تحالفوا بهذا الصدد مع بريطانيا ، ويطلب للعاهل المغربي المساعدة على تسهيل نقل الذخائر عبر جبل طارق إلى أن تتخلص الديار من هول هذه الحملة الجائرة !
وبالرغم من أننا لم نعثر على جواب المولى سليمان عن هذه الرسالة ، إلا أن من المؤكد حسب الوثائق المغربية و البريطانية أن العاهل المغربي قدم عونا للعثمانيين من أجل تخليص مصر لا تنساه الأيام ، بالرغم من السفارات المتوالية التي بعث بها نابليون إلى ملك المغرب آنذاك ليصرفه عن عون مصر …
ولم يتجلى ذلك العون في مساندة بريطانيا و إسبانيا فقط ، ولكنه تجاوزه إلى وجود طائفة من المقاتلين المغاربة على أرض مصر ضد حملة نابليون على ما تفيده إفادت الجبرتي )1 .
………………………………………….
📓 – 1 التاريخ الددبلوماسي للمغرب | ج9| ص 43 و 44 .