كان أديب الفقهاء عبد الله كنون – رحمه الله – من الأوائل الذين تصدوا للفرنسة الفكرية ،ودعى إلى ضرورة تعريب التعليم و الإدارة في المغرب ، فقد سبق له أن رد على المستشرق ” كولان ” في جريدة ( الأطلس ) ، وخصص عنوانا باسم ” معركة التعريب ” في كتابه ” معارك ” ، الذي عد فيه اللغة العربية لغة ” قومية ” للشعب المغربي ، و أن التخلي عنها هو تخل عن ماض عظيم و مجيد يزيد على ثلاثة عشر قرنا من تاريخ الأمة المغربية ، الذي رضيت فيه دوله المختلفة الحاكمة بربرية -كانت أم عربية -عد اللغة العربية الشريفة رسمية وقومية للبلاد ، ولم ينازعها و يختلف معها أحد في ذلك .
كما أكد على أن اعتماد سياسة ” التعريب ” وتطبيقها ، هو الحل الوحيد لتجاوز التبعية ، و إرساء دعائم الشخصية الحضارية المغربية الأصيلة في نفوس الشعب المغربي ، أما تلقين اللغة الأجنبية فنتيجته الحتمية تكوين أجيال متعلمة منفصلة عن الشعب و حضارة هذه الدولة ، لأن في تدريسها للناشئة لابد فيه تلقين أصولها ، وأدبها ، وتاريخها ، ، و مناهج أربابها .
يقول العلامة عبد الله كنون – رحمه الله- في مقال له بعنوان ” نحن و التراث مدافعا عن التراث الإسلامي للمغرب و اللغة العربية الشريفة :
[ ومعلوم أن اللغة هي مظهر أصالة كل شعب، والوعاء الذي يستوعب تراثه ومعطياته الفكرية، فالذين لا يبالون بها، ويقدمون عليها لغة أجنبية إنما يعملون على الانسلاخ من قوميتهم والذوبان في غيرهم ] .
وقال : [ ومع أن دعوات هؤلاء المتمردين على اللغة العربية، فضت من أول يوم إلا صداها لم يزل يتردد بين الشباب المتعلم باللغات الأجنبية، والمثقف ثقافة حديثة لم تتطعم بشيء من التراث العربي الأصيل، فتولد من ذالك جيل ثالث لغته عربية وفكره أجنبي، وهو يعتقد أنه يمد الجسور بين الاستعراب والاستغراب ولكن أعماله كثيرا ما تصب في قناة الاستغراب ومن تم فهو ما يزال ينسج على منوال التغريب متأثرا بالتراث الأجنبي حتى في أخطائه المتعمدة أو العفوية في تقويم تراثنا العربي والإسلامي، مما حذا به إلى هجر التراث، وعدم الاستفادة منه وانعكاس ذلك على تفكيره ولغته التي ضعفت واعتادها اللحن وسادها الغموض ضرورة عدم إتقانه لقواعدها ] .
وقال أيضا :
[ ويخيل إلي أن الذين ينادون بشعار المعاصرة،وهم يعيشون حضارة القرن العشرين ويقبسون منها، نسوا أن أصحابها كانوا من الفريق الأول الذين لا تراث لهم، فاصطنعوا التراث اليوناني والروماني، ومالي لا أقول العربي وإن كانوا يتآمرون عليه بالسكوت، وعلى أساس هذا التراث بنوا حضارتهم الجديدة.
وأكاد أقول أن هؤلاء الذين ينادون بالمعاصرة، لا يعيشون عصرهم فإنا نرى بلدا من أكثر البلاد تقدما علميا وحضاريا، وممن يتهافت المفتونون بالمعاصرة على التلقي منه والتقليد له، وهو فرنسا، بالرغم من تطوره العظيم يتفانى في الدفاع عن أصالته والمحافظة على تراثه، وقد شعر بمزاحمة اللغة الإنجليزية للغته الوطنية في الخارج، وهجومها عليها في الداخل باصطناع أبنائه لبعض المفردات والمصطلحات والعبارات التي يستعملها الإنجليز فهو ما يفتأ يقاوم هذا الهجوم ويحرص على تنقية لغته من الألفاظ الإنجليزية الدخلية، وفي المدة الأخيرة احتفلت الأكاديمية الفرنسية بتقديم ألفي كلمة فرنسية أصيلة لتحل محل تلك الكلمات الأجنبية في لغة الحديث والصحافة والعلوم، ونوهت الأوساط الفكرية والأدبية بهذه المبادرة التي تدل على الاعتزاز باللغة الوطنية وإيقاف موجة الاستهتار بالمقومات الذاتية للأمة عند حدها] .