يحتفل عشاق البقولة بالذكرى 800 سنة على تدوينها ، حيث قال صاحب ( شويخ من أرض مكناس ) الششتري ( ما بقى ما نقول/ قد طبخت لك البقول ) ، وقد اشتهر أبو الحسن الششتري المولود عام 1212 في عصر الموحدين بأزجاله الصوفية لا سيما قصيدته شويخ من أرض مكناس لكنه عرف بورعه وتبرمه من الحياة ومتاعها وعاش عيشة الزهاد و المتصوفة، وهو يجول في الأسواق والقرى المغربية ينظم قصائد الزجل الدينية والأشعار الشعبية، ومن بينها القصيدة الزجلية الشعبية الشهيرة لما عاش في مدينة مكناس(شويخ من أرض مكناس وسط الاسواق يغني). وكان طعامه الحبوب و ما يقتات به مما تنبث الأرض ، يتغذى فقط على الأعشاب والنباتات البرية ومنها البقول/ البقولة في الدارجة المغربية ،واشتهر بقصائد الحكمة، ومن بينها كطما جاء في ديوان الششتري :
شويخ من ارض مكناس وسط الأسواق يغني
اش علي انا من الناس وش على الناس مني
ثم قول مبين ولا يحتاج عباره اش على حد من حد افهموا بالاشاره
انظروا كبر سني والعصا والغراره هكذا عشت في فاس وكذا هوني هوني
اش علي انا من الناس وش على الناس مني وما احسن كلامه اذا يخطر في الاسواق
تره اهل الحوانيت يلفتوا له بالاعناق الغراره في عنقه وعكيكز وعكاز
شويخ مبني على ساس ان شأ الله مبني اش علي انا من الناس وش على الناس مني
يا الهي رجوتك جود علينا بتوبه بالنبي قد سالتك والكرام الاحبه
الرجيم قد شغلني وانا معه بنشبه قد ملا قلبي وسواس من ما هو يبغي مني
اش علي انا من الناس واش على الناس مني شويخ من ارض مكناس وسط الاسواق يغني .
إن أزجال أبي الحسن الششتري صوفية وموشحات وأزجال شعبية ، كانت ثمرة تجربته الغنية بالدلالات والمواقف الروحية الصادقة. فهو إن كان أفصح عن تجربته تلك بوسائل تعبيرية متعددة ومنها لغة النثر وإنشاء المقال, إلا أنه كان أكثر إنتاجا وأعمق تعبيرا عندما إعتمد طريقة الشعر الصوفي, بإعتباره أهم وسيلة لنيل الخبرة الباطنية المستعصية على أصناف التعابير الأخرى.
وهذه القصيدة الشعبية عمرها أكثر من 735 عاما قالها (أبي الحسن الششتري) تعبق بالتصوف، وقد كتبها لأجل أن يطهر ذاته من الكبر بعد أن لبس غرارة على عنقه وثوبا باليا ، ومشى في الأسواق متعكزا على عكاز ينشد هذه القصيدة المشهورة والتي يرددها الناس غالبا دون توقع لعمرها.
أبو الحسن الششتري ولد في عصر الموحدين سنة 1213 م 610 هجرية، وهو شاعر زجال عاش في المغرب وكان زاهدا وصفه لسان الدين بن الخطيب في الإحاطة بقوله: «عروس الفقراء، وأمير المتجردين، وبركة المغرب والأندلس، لابس الخرقة، وأبو الحسن. من أهل شستر وكان مجوداً للقرآن، قائما عليه، عارفاً بمعانيه، من أهل العلم والعمل».
وفحوى قصيدة شويخ من أرض مكناس هو الدخول في الحياة و طريقة القوم،و قال له شيخه: لا تنال منها شيئاً حتى تبيع متاعك وتلبس قشابة وتأخذ بنديراً وتدخل السوق ففعل جميع ذلك. فقال له: ما تقول في السوق فدخل السوق يضرب دفه ويقول: بدأت بذكر الحبيب فبقي ثلاثة أيام وخرقت له الحجب فجعل يغني في الأسواق بعلوم الأذواق ومن كلامه .
وهي القصيدة التي قام بغنائها المطرب الخليجي خالد الشيخ ، ولقيت رواجا كبيرا لانها أغنية خارج حدود الزمن، ربما لاعتمادها على كلمات رائعة أولا. وثانيا لأنها تمس الإنسان..ولكون حكمتها بسيطة وتلقائية ، وفيها نوع من التبتل والتضرع تركن له النفس. كما أنها تحرك الخيال جهة شيخ فقير أبيض اللحية يسير في الأسواق أكثر حكمة من المشغولين بالدنيا. وهذا الشعور يقترب من الحكايات القديمة التي يحب ويستمتع بمثاليتها وقيمها العليا أكثر الناس…
بقلم المرحوم الاستاذ الهواري الحسين