أثارت تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال لقائه بالرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، بروما قبل يومين، ضجة كبيرة داخل تونس والجزائر، والتي قال فيها بأن بلاده اتفقت مع إيطاليا على مساعدة تونس للخروج من المأزق الذي دخلت فيه كي تعود للطريق الديمقراطي الصحيح، في وقت تعيش فيه الجزائر وضعا حقوقيا وإنسانيا كارثيا تحتاج معه، أكثر من تونس، من ينتشلها من الوضع الذي تتخبط فيه ويعيدها لطريق الديمقراطية.
وقد اعتبر العديد من المتابعين للشأن المغاربي بكلا البلدين خاصة بتونس، أن تصريحات تبون تعتبر تدخلا سافرا في سيادة بلادهم ومحاولة منه للظهور على أنه فعلا مؤثر بالمنطقة، وقادر على مساعدة تونس للخروج من المأزق الذي أدخل فيه الرئيس قيس سعيد المدعوم من طرف نظام العسكر بالجزائر للانقلاب على الديمقراطية في البلاد والاستيلاء على جميع السلطات.
ففي الوقت الذي تتخبط فيه جزائر تبون الجديدة في مشاكل لا حصر لها، خرج إلينا الرئيس تبون بهذا التصريح، لينطبق عليه المثل المغربي: “الجمل ما كيشوفش حدبتو كيشوف غير حدبت خوه”، تبون غضّ الطرف عن الفضائح التي تقع في بلاده من اغتيالات واعتقالات في صفوف نشطاء الحراك المطالبين بإسقاط نظام العسكر وإقامة دولة مدنية، وسلّط الضوء على فضائح جاره الرئيس قيس سعيد الذي انقلب على الديمقراطية ويسعى لفرض سيطرته على البلاد، والرئيس تبون يعلم جيدا أن المخابرات الجزائرية ونظام العسكر أكبر مدعمي الرئيس سعيد في هذا الانقلاب.
ويرى العديد من المتابعين لما يقع بمنطقة المغرب الكبير وتحرك نظام العسكر الجزائري الذي أصبح يعاني من عزلة كبيرة، أن تصريحات عبد المجيد تبون فيها “تغير كبير” في الموقف الجزائري تجاه الرئيس قيس سعيد، لاسيما وأنها المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس الجزائري الصوري عن “عودة الديمقراطية” إلى تونس، وهو الذي عبّر في العديد من المرات عن دعمه لقيس سعيد بل وقام بزيارة إلى تونس رغم أنها تعيش على وقع الصراعات وقدّم لقيس سعيد قرضا بقيمة 300 مليون دولار يتضمن جزءا منه كهبة لدعم الاقتصاد التونسي الذي يعاني من الأزمة منذ مدة.
تصريحات تبون التي أغضبت ، حاول وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة التخفيف من حدتها، وامتصاص الغضب التونسي من الجزائر، بالتأكيد على أن “الجزائر ستظل سندا لتونس”.
وبعد أيام من تصريحات تبون، كشف وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي عن تدخل نظيره الجزائري رمطان لعمامرة للحد من الأزمة بين البلدان، حيث أوضح الأول خلال مشاركتهما في القمة الإفريقية الاستثنائية في غينيا الاستوائية، أن “الجزائر ستظل دائما سندا لتونس كما كانت تونس وما تزال سندا للجزائر، بناء على ما يجمعهما من ماض وحاضر ومستقبل ومصير مشترك”.
وأعرب الجرندي عن “ارتياحه التام لتطابق الرؤى حول القضايا المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي تضاعفت فيها التحديات وتعقدت، مما يستوجب العمل سويا على مجابهتها بكل ثبات”.
يبدو إذن أن نظام العسكر أراد من خلال تصريحات دميته تبون توجيه رسائل غير مباشرة للرئيس التونسي قيس سعيد وابتزازه والضغط عليه من أجل الخضوع لأوامر وإملاءات كابرانات قصر المرادية، بعدما وجدوا أنفسهم في عزلة كبيرة بالمنطقة بسبب سياستهم العدائية للمغرب، وكذا بسبب الدعم الكبير الذي استطاعت الدبلوماسة المغربية حشده لملف قضية الصحراء المغربية ومبادرة الحكم الذاتي بأقاليمنا الجنوبية.