طرح الخطاب الملكي لأول أمس قضية كبيرة لم تسلط عليها الأضواء؛ فقد تساءل جلالة الملك وهو يتحدث عن مغاربة الخارج “هل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟”. وأن يطرح ملك البلاد مثل هذا السؤال بعد 18 سنة على ما سمي إعادة هيكلة الحقل الديني؛ فهذا مما يستدعي التوقف عنده.
كنت كتبت قبل بضع سنوات دراسة عن النموذج الديني المغربي وكيف أنه مؤهل ليلعب الدور الرئيسي في أوروبا خصوصا بعد تراجع النموذج السعودي؛ وكيف أن هذا الأخير لا يتكئ على أي رصيد تاريخي بقدر اتكائه على المال؛ بينما النموذج المغربي له جذور تاريخية عريقة. وقد نشرت أجزاء منها في بعض المنابر. ومشكلة المغرب أن لديه نموذجا جيدا لكن تسويقه ضعيف؛ ليس فقط لدى الشباب المغربي في الخارج بل حتى لدى المسؤولين الأجانب المهتمين بالظاهرة الدينية والتطرف؛ فهم لا يميزون بين النموذج المغربي وغيره.
تساؤل جلالة الملك يعني أن هناك ضرورة لإعادة النظر في المنهج والأسلوب؛ فالخطاب الديني يحتاج إلى نخبة جديدة لديها إلمام بالفكر الغربي المعاصر وما يصطرع فيه من أفكار؛ وبالتجربة المغربية؛ وقادرة على خوض السجال؛ وواعية بفقه الواقع ومشكلاته؛ والأكثر من هذا تغيير عقليات بعض المدبرين لعدد من المؤسسات. لنأخذ مثالا فقط. كان المغرب يرسل سنويا عددا من “الأئمة” إلى أوروبا خصوصا في رمضان؛ ولكن أغلب هؤلاء يتم اختيارهم بالعلاقات والزبونية وليس لبعضهم أي رصيد علمي. وهذه حقيقة يعرفها العاملون.
وقد فوجئت مرات كثيرة خلال محاضرات أو ندوات في الخارج أن الكثيرين لا يعرفون النموذج المغربي؛ بل بعضهم يهاجمك؛ وهذا يدل على هناك أرضا غير محروثة. ونحن لا نعمم؛ فهناك من يقوم بدوره خير قيام؛ ولا نذكر إسم أحد.
إن إمارة المؤمنين مكسب حضاري وتاريخي كبير؛ وهي ليست فحسب مجرد مؤسسة بل توليفة لا يوجد نظيرها في تدبير المسألة الدينية؛ ولا زلت أذكر يوم وصلت حركة النهضة التونسية إلى السلطة قبل عشر سنوات حين نوه الغنوشي شخصيا بالنموذج المغربي؛ وهذه حركة إسلامية لها منظور معين في تدبير الدين في المجتمع؛ ولكن المنظور غير والنموذج غير.
لقد أصبح الدين اليوم جزء من السياسات الدولية؛ وهو اليوم يفرض نفسه في برامج الحكومات الأوروبية؛ بل أصبح يناقش على صعيد الهويات؛ والمغرب لديه نموذج متفرد مثلما لدى الأتراك على الصعيد الأوروبي؛ وقوة النموذج في التسويق والترويج لا في الشعارات.
بقلم : الدكتور إدريس الكنبوري