عزالدين السريفي / رئيس التحرير
سيكون في مصلحة المغرب أن تتوقف كل الجمعيات والأحزاب عن شجب ما قام به النظام التونسي. فلا شك في أن الرسالة قد وصلت إلى من يهمه الأمر في تونس، خاصةً الشعب التونسي، الذي تجمعنا معه علاقات أخوية متينة، والذي يعتبر أكبر ضحية للانقلابات الدستورية التي قام بها رئيسهم وللطعنة الخادعة التي وجهها للمغرب.
ما ينبغي القيام به الآن هو ترك الدبلوماسية المغربية وذوي الاختصاص يعملون في صمت خلف الكواليس من أجل الدفاع عن مصالح المغرب والحفاظ على المكتسبات الدبلوماسية الجمة التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضية. بالموازاة مع ذلك، على الأحزاب السياسية المغربية أن تشمر على سواعدها وتقوم بالعمل الذي من شأنه أن يعود بالنفع على مصالح البلد على المدى القريب والمتوسط والبعيد. ويكمن هذا العمل في التواصل مع الأحزاب السياسية المعارضة لنظام قيس سعيد وتعزيز علاقاتها المؤسساتية معها تحسبا للوقت الذي قد يسقط فيه هذا النظام. الكل يعلم بأن الرئيس التونسي يواجه معارضة شرسة من العديد من الأحزاب والنقابات التونسية، وأن فئات عريضة من الشعب التونسي غير راضية عن الانقلابات الدستورية التي قام بها ضد العملية الديمقراطية. وبالنظر إلى الضغوطات الخارجية التي يتعرض لها الرئيس سعيد على يد الولايات المتحدة الأمريكية وظهور بوادر أخذ كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لبعض المسافة مع هذا النظام، بعدما كانتا من بين الدول التي دعمته ضد حزب النهضة، والمعارضة الشرسة التي يواجهها من طرف الأحزاب المتشبثة بالخيار الديمقراطي، فمن غير المستبعد أن ينجح الشعب التونسي في التخلص من قيس سعيد في الشهور أو السنوات القليلة المقبلة.
الاحزاب المغربية باعتبارها تشكل دبلوماسية موازية للدبلوماسية المغربية الرسمية ، في حاجة لأن تتعبأ بشكل قوي لخوض رهان التأثير على الرأي العالمي في شتى المحافل وفي كل مناسبة متاحة ، ويجب أن لا يكون تدخل الاحزاب على المستوى الدبلوماسي تدخلا موسميا بل يجب أن يكون وفق برنامج سنوي ، يحدد الاهداف الأولويات ويخضع في نهاية كل حول إلى تقييم موضوعي ، يساءل مدى نجاعة الخطط ونسبة الفاعلية التي حققها العمل الدبلوماسي الحزبي .ثم بعد ذلك رسم خطط على المدى القريب والمتوسط وحتى البعيد ، وتحديد الآليات الكفيلة بالتنفيذ حتى نتمكن من جعل العديد من الدول وخاصة التي كانت في غير صفنا ، تتفهم عدالة قضيتنا وتصبح من المناصرين لقضيتنا .لعلنا عما قريب نطوي نهاية ملف هذه القضية التي طالت أكثر مما يجب.
ومن جهة أخرى، ينبغي التسليم بأن المغرب دخل في مرحلة جديدة وجد حساسة في حربه الدبلوماسية ضد الجزائر وحلفائها، خاصة أن هذه الأخيرة قد استفادت من الفقاعة المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط والبترول وأنها تعتبر من بين أكبر المستفيدين من الحرب الدائرة في أوكرانيا. وبالتالي، فعلى غرار ما قام به النظام الجزائري في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حينما استعمل قوته المالية من أجل شراء دعم الدول الإفريقية، فإنه لن يدخر جهدا من أجل اتباع السياسة نفسها خلال المرحلة المقبلة.
فالجزائر تعرف أنها خسرت العديد من المعارك الدبلوماسية ضد المغرب خلال السنوات الخمس الماضية، وأن هذا الأخير أصبح أقوى مما كان عليه في الماضي، خاصة بعض الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والدعم الواضح الذي قدمته له كل من إسبانيا وألمانيا، وكذلك افتتاح أكثر من 30 بلدا لقنصلياتها في أقاليمنا الجنوبية. كما تعلم أن أحد الأهداف الرئيسية التي يشتغل عليها المغرب لوضع حد للنزاع هو طرد “البوليساريو” من الاتحاد الإفريقي. وبما أن عضوية الجمهورية الورقية لـ”البوليساريو” تعتبر هي آخر ورقة دبلوماسية تمتلكها الجزائر، فإنها ستعمل لا محالة على استعمال السيولة المالية التي حصلت عليها خلال الشهور الستة الماضية من أجل استمالة بعض الدول الإفريقية التي فتحت قنصلياتها في الصحراء المغربية من أجل التراجع عن قرارها.
وإن أهم مؤشر على ذلك هو وصول وفد البوروندي إلى تونس للمشاركة في اجتماع تيكاد الأسبوع الماضي على متن طائرة تابعة للرئاسة الجزائرية. كما أن المؤشر الثاني والأهم هو استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لرئيس غينيا بيساو بداية هذا الأسبوع، بعدما كان هذا الأخير قد انسحب من المشاركة في مؤتمر تيكاد احتجاجا، على ما يبدو، على مشاركة زعيم مليشيات “البوليساريو” في ذلك المؤتمر. إن القاسم المشترك لهذين البلدين هو أن كلاهما فتحا قنصليته في الصحراء المغربية بعدما كانا من بين أول الدول التي اعترفت بهذا الكيان الوهمي وكانا من بين أول المدافعين عن انضمامه لمنظمة الوحدة الإفريقية. فكلا البلدين كانا بين الدول الإفريقية الستة وعشرين التي وجهت رسالة إلى الأمين العام لهذه المنظمة في شهر فبراير عام 1982 وطلبت منه توجيه دعوة رسمية إلى زعيم “البوليساريو” للمشاركة في اجتماعات مجلس وزراء المنظمة بصفته عضوا فيها، وهو ما استجاب له الأمين العام للمنظمة. كما أن القاسم المشترك بين هذين البلدين هو أنهما يعتبران من بين العشر دول إفريقية الأولى التي كانت قد اعترفت بهذا الكيان بحلول شهر مارس 1976 (إلى جانب كل من الجزائر ومدغشقر وبنين وأنغولا والموزمبيق وكوريا الشمالية وطوغو ورواندا). وبالتالي، يظهر بأن الجزائر تحاول استرجاع نفوذها على الدول التي كانت تدور في فلكها حتى وقت قريب والتي استطاع المغرب استمالتها لصالح موقفه بفضل السياسة الإفريقية التي تبناها الملك محمد السادس منذ ما يزيد عن عقد من الزمن.