رئيس التحرير / جسر بريس
عقبات سياسية محددة ومتعددة تسببت في وصول العلاقات المغربية – الفرنسية إلى الموقف السيء الذي هي عليه اليوم. فالجمود البيروقراطي والخطاب التحريضي والمواقف السياسية المثيرة للجدل ضد المغرب أدت إلى إضعاف فاعلية أيّ صوت متعقل يريد الخروج بمواقف متطورة ونظرة جديدة في التعامل مع المغرب، وبالتالي تأخر تنفيذ سياسات مبتكرة وواقعية للتعاطي مع قضايا تمسّ المغرب بعيدا عن العقلية الاستعمارية الاستعلائية.
الأزمة بين الرباط وباريس لم تعد صامتة ولم تعد خافية على أحد؛ الحكومة الفرنسية التي لازالت تضغط لتبقى لها الكلمة العليا في الامتيازات المتعددة داخل المغرب استخدمت ورقة تضييق الخناق على المغاربة طالبي التأشيرات لممارسة هوايتها في الابتزاز. وبينما العالم يتغير، تعارض باريس انفتاح المغرب على شركاء جدد وترفض أن يخرج من دائرة نفوذها السياسي والاقتصادي.
وبينما تتزايد القرائن والمؤشرات التي تظهر لعب السلطات الفرنسية على الحبلين فيما يتعلق بتدبير ملف علاقاتها مع المغرب، يأتي استقبال المدعوة سلطانة الذي على الرغم من هامشيته ليؤكد أن الطبقة السياسية الفرنسية لا تزال محافظة على نهج قديم تمتد جذوره إلى العهد الاستعماري، عندما كان المنتخبون ورجال السلطة هناك يوظفون المؤسسات الفرنسية لممارسة الضغوط أو التفاوض أو تعزيز الحضور الفرنسي في مناطق مختلفة من العالم وخصوصا في إفريقيا والمنطقة العربية. ومن غريب المصادفات التي لا يدركها الكثيرون، أن هذه الممارسات المستفزة لسيادة بعض الدول، كانت دائما تأتي من أحزاب اليسار الفرنسي، ويكفي في هذا السياق أن نتذكر أن قادة الحركة الاستعمارية الفرنسية خرجوا من قلب الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي الفرنسي.
صحيح أن هذا الاستقبال لا يمثل موقفا رسميا للرئاسة الفرنسية ولا للحكومة ولا حتى لعموم أعضاء البرلمان الفرنسي بفرقه السياسية المختلفة لكن للتوقيت دلالاته البارزة، فهو يأتي على بعد أسابيع قليلة من الدعوة المباشرة التي وجهها المغرب في الخطاب الملكي ، في العشرين من غشت الماضي إلى الحلفاء التقليديين من أجل توضيح مواقفهم من قضية الصحراء المغربية بشكل لا يقبل التأويل.
قد تظهر الحكومة الفرنسية والرئيس إيمانويل ماكرون بمظهر الأبرياء مما يحدث في الآونة الأخيرة في ساحة العلاقات مع المغرب. لكن هذه لعبة قديمة، عندما تترك الجهات الرسمية لمن هم غير رسميين سواء من المنتخبين المعارضين أو من نشطاء المجتمع المدني عملية توجيه الرسائل التي تريد الدولة الفرنسية أن تصل إلى الآخرين. سيتحجّج أصدقاء المغرب في فرنسا بأن هذا الاستقبال كان هامشيا وأنه كان بمبادرة فردية من نائب برلماني فريد وأنه لا يمثل بأي شكل من الأشكال الرؤية الرسمية ولا مواقف فرنسا التي لا تزال محافظة على العلاقات الودية مع المغرب. هذا الخطاب الذي تقطر منه لغة الخشب، سبق أن سمعناه في سنوات ماضية في مناسبات شبيهة عرفت فيها العلاقات بيننا وبين فرنسا لحظات من التوتر.
لكننا اليوم نعيش مرحلة مختلفة. لقد لخص الملك محمد السادس طبيعة هذه المرحلة في خطاب ثورة الملك والشعب في عشرين غشت الماضي عندما أكد بشكل مباشر وصريح للأصدقاء والخصوم معا أن قضية الصحراء المغربية تمثل ابتداء من اليوم المنظار الذي سيقيم من خلاله المغرب طبيعة علاقاته الخارجية. المغرب لم يعد مستعدا نهائيا لتجاهل أي استفزاز من هذا القبيل حتى وإن كان بمبادرات فردية ومن أحزاب هامشية لا تأثير لها على الساحة السياسية. لأن ما يهم في هذه المسألة أنها تتم داخل مؤسسة رسمية فرنسية هي الجمعية الوطنية، التي كانت دائما معتركا لممارسة الضغوط على الآخرين، وسن التشريعات والقوانين الابتزازية ضد دول أخرى.
لهذا فإن حدثا كهذا مهما كان هامشيا في الأعراف الدبلوماسية الفرنسية أو في اعتبارات الطبقة السياسية هناك ينبغي أن يكون له ما بعده. بمعنى أن رد الفعل الدبلوماسي المغربي يجب أن يكون حاسما ضد كل من ثبت وقوفه وراء هذه الحركة، وفي هذا الإطار فإن الدبلوماسية الموازية للأحزاب السياسية المغربية والمجتمع المدني، وللهيئات التمثيلية للجالية المغربية العريضة المقيمة في فرنسا يجب أيضا أن تتحرك بشكل فاعل ومؤثر من أجل إدانة ما وقع، ومن أجل الدفع بالترافع على أطروحة مغربية الصحراء وحقوقنا التاريخية. إذ من الواضح أن ما حدث ليس سوى هروب جديد إلى الأمام من طرف السلطات الفرنسية التي بدلا من أن تثبت حسن نيتها بموقف جريء على غرار الاعتراف الأمريكي والموقف الإسباني، تحاول اختلاق مساحات جديدة من الهوة حتى تحاصر سقف مطالبنا الشرعية.