من الواضح أن النظام العسكري الجزائري يراهن بعد فشل كل مناوراته على لعِب لعبة قذرة أخرى من لُعبه المناهضة لاستقرار المغرب ووحدته الترابية. فشِل في تأليب إسبانيا واندحر في الساحة الإفريقية وفي أمريكا اللاتينية ولم يلق أي استجابة من القوى الدولية الوازنة، وها هو ذا اليوم يراهن على محاولة محاصرة المغرب من منفذ الحدود الجنوبية من خلال التركيز المكثّف في الفترة الأخيرة على تعزيز علاقاته على جميع الأصعدة مع النظام الموريتاني. هناك تسارع كبير في حجم الاتفاقيات الثنائية التي تم توقيعها بين النظامين والتي ظاهرها شراكات اقتصادية أو تجارية وباطنها السعي الحثيث من أجل دفع موريتانيا إلى خندق المواجهة المباشرة مع المغرب.
قبل أسبوع وقّع البلدان بروتوكول تعاون يهدف إلى فتح المجال أمام السّفن الجزائرية للإبحار والمساهمة في بناء وإصلاح وصيانة السفن، مع إسناد حصص صيد سنوية في المياه الإقليمية الموريتانية. كما تم الاتفاق قبل ذلك بأسبوع على إنجاز مشروع الطريق البري الرابط بين مدينتي تندوف والزويرات. كما أعلن نظام العسكر عن استعداده لتزويد النظام الموريتاني بما يلزمه من الغاز، وينضاف كل هذا إلى تكثيف مستويات الدعم العسكري والاستخباراتي الذي يقدمه الكابرانات لموريتانيا. كل هذا التسارع والتكثيف في التنسيق بين النظامين والإعلان عن ذلك بتفاصيله يؤكد أن ما تم لا يتعلق فقط بتطور طبيعي للعلاقات الثنائية بين بلدين جارين، بقدر ما هو مسابقة للزّمن من أجل توجيه كل هذه التطورات ضد المغرب ومصالحه واستقراره.
من هنا يبدو أن النظام الموريتاني الذي كان دائما يتعاطى بنوع من الحذر مع كل ما يمس قضية الوحدة الترابية لبلادنا وينأى بنفسه ولو بشكل نسبي عن الدخول في مأزق الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، لم يعد وفيا لهذا النوع من المواقف السياسية الرصينة التي كانت دائما تضمن ثباتا واستمرارية في العلاقات المغربية الموريتانية بعيدا عن أي توتر أو تأزم. والظاهر أن النظام الموريتاني الحالي لم يعد قادرا حتى على الحفاظ على منطق النأي بالذات أو العمل بالمثل القائل “كم من حاجة قضيناها بتركها”، بعد أن بدأ يخضع شيئا فشيئا للإغراءات وربما لابتزاز نظام الكابرانات. لن نبالغ إذن إذا اعتبرنا أن هذا السلوك الجديد في المواقف الموريتانية يمثل نوعا من اللعب بالنار.
نعم، الاصطفاف في خندق المواجهة مع المغرب ومصالحه واستقراره يمثل لعبا بالنار بالنسبة لنظام كالنظام الموريتاني الذي يعرف أن قضية الوحدة الترابية تمثل مسألة وجود لا مجرد مسألة حدود بالنسبة لنا. ولن تنطلي علينا كمغاربة هذه الادعاءات الإعلامية المطرّزة بلغة الخشب المكشوفة التي تتحدث عن العلاقات الثنائية واجتماعات اللجان المشتركة بين الجزائر وموريتانيا على اعتبار أن ما يحدث هو مجرد تعاون وشراكات اقتصادية بين بلدين يتقاسمان مئات الكيلومترات من الحدود البرية المفتوحة. عن أي شراكات وتعاون اقتصادي يتحدثون ونحن نعلم أن لا الجزائر تمتلك أسطولا بحريا للصيد في السواحل الموريتانية ولا بنية تحتية طرقية في المستوى يمكن أن تربطها بالتراب الموريتاني ولا قدرات تصديرية وتجارية يمكن أن يستفيد منها النمو الاقتصادي في البلدين؟
بعبارة أخرى إن الجدوى الاقتصادية من كل هذه الاتفاقيات الثنائية شبه منعدمة بالنسبة للبلدين معا. ما يبقى إذن بارزا من هذه الاتفاقيات المعلنة هو أنها مجرد غطاء لمحاولات استمالة صريحة من طرف نظام شنقريحة للنظام الموريتاني من أجل أن تتحول نواكشوط إلى قاعدة خلفية رسمية لبعض الأنشطة والتهديدات المباشرة ضد استقرار المغرب وأمنه الإقليمي والوطني. وعلى النظام الموريتاني أن يدرك على هذا الأساس أن الانغماس في امتيازات البترودولار الجزائري وإغراءاته لا يجب أن تدفعه نحو المغامرة بعلاقاته مع المغرب التي كانت دائما مبنية على التعاون والاحترام المتبادل والاستشارة وتقدير المواقف الثنائية، خصوصا أن النظام الموريتاني يدرك جيدا مدى حساسية الوضع الإقليمي وحجم الدور الذي كان يلعبه المغرب دائما في ضمان الاستقرار في موريتانيا.