جسر بريس من الرباط
بقلم: عبد الله بوشطارت
نشرت عدة مواقع إعلامية في ليبيا خبرا يفيد طلب السفير الجزائري بطرابلس من السيدة وزيرة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، نجلاء المنقوش، حل ومنع جميع أنشطة المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، وهي الهيأة الوحيدة المنتخبة وذات المشروعية، التي تمثل جميع أمازيغ ليبيا.
ويعد هذا الطلب بمثابة التدخل السافر وغير المقبول للنظام الجزائري في الشؤون الداخلية لدولة ليبيا ذات السيادة والاستقلالية التامة. وهو تدخل يفضح النوايا الخبيثة لنظام العسكر في حق البلد الجار ليبيا ويفضح أيضا نواياها الحقيقية تجاه الأمازيغية كقضية استراتيجية حارقة ذات امتداد كبير في شمال إفريقيا والساحل وداخل دول كثيرة في أوربا وأمريكا.
هذا التدخل السافر الذي يستهدف أمازيغ ليبيا الذين يتحدون في مؤسسة عليا ذات أسس تمثيلية ديمقراطية تحظى بمشروعية سياسية كبيرة، تعنى باستعادة الحقوق المهضومة للأمازيغية كلغة وثقافة وهوية أصلية للمجتمع الليبي، يجب أن نضعه في سياقه الإقليمي والدولي، ونجمل ذلك في النقاط التالية:
1- الانزعاج الكبير للنظام الجزائري من الأمازيغ في الداخل، خاصة منطقة القبايل والمزاب والتوارگ، الذين يعارضون بشدة النظام العسكري الحالي في الجزائر الذي راكم مجازر وجرائم لن تغتفر في حق الأمازيغ: اغتيالات، تصفيات، اعتقالات ومنع مستمر… مما جعل شرعية النظام الحالي تتآكل لدى الأمازيغ، ويفقدون يذلك كل الثقة في نظام العسكر… وتأكد لنا ذلك بجلاء في تجدير الحراك ضد النظام في المناطق ذات الكثافة الأمازيغية وحيويته القوية، وكذلك في مقاطعة القبايل لجميع الانتخابات التي تم تنظيمها في الجزائر، سيما الانتخابات الرئاسية التي نصبت تبون رئيسا للعسكر في الجزائر، حيث لم تصل نسبة المشاركة إلى 0,005… فتزايد حرية الأمازيغ وتعاظم قوتهم وديناميتهم في ليبيا لن يقبل به العسكر في الجزائر.
2- تزايد شعبية حركة الماك، وهي حركة تقرير المصير لشعب القبايل، التي تسعى إلى الانفصال عن نظام العسكر، وبعد تأسيس حكومة المنفى في باريس التي يترأسها الزعيم الأمازيغي القبايلي فرحات مهني، تعاظمت جاذبية حركة الماك وسط القبايلين والمتعاطفين معها في الجزائر، وهي التي نظمت قبل أسبوع، في يوم 16 أبريل 2023، مسيرة احتجاجية ضخمة جدا في شوارع باريس احتفالا بذكرى الربيع الأمازيغي، كما نظمت مسيرات موازية في نفس اليوم بأمريكا الشمالية. وهذه المسيرات جاءت ضمن الدينامية التي تخوضها مؤخرا حركة الماك للاستقلال عن نظام الجزائر، كالمسيرات التي تم تنظيمها في باريس في منتصف شهر مارس الماضي… وليس بغريب أن يطلب سفير عسكر الجزائر في طرابلس حل ووقف أنشطة المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا بعد أسبوع فقط من خروج الآلاف من مناصري حركة المطالبة باستقلال القبايل في باريس… كأن نظام العسكر يريد تحجيم قوة الأمازيغ في ليبيا وقمع نضالاتهم كما يفعل النظام الجزائري الحالي، وكما كان يفعل نظام القذافي البائد…فتحرك الأمازيغية في ليبيا سياسيا وثقافيا وحقوقيا يحرج نظام الجزائر، حيث لازال مناضلون أمازيغيون يقبعون في السجون، من ضمنهم كاميرا ن آيت سيد.
3- الخوف من العزلة الإقليمية خاصة بعد دعوة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين من رئيس دولة النيجر التطبيع مع دولة إسرائيل، وهو الطلب الذي تفاعل معه الرئيس النيجيري بإيجابية، في انتظار ما ستسفر عنه المشاورات البينية، خاصة وأن مسؤولي النيجر يطمحون إلى تعزيز الشراكة والعلاقات الاقتصادية مع أمريكا وإسرائيل. ونعلم أن دور النيجر في الساحل باعتباره البلد الذي يعيش في استقرار سياسي وسط منطقة متوترة جدا تعاني من انقسامات حادة واضطرابات سياسية وعسكرية في التشاد ومالي وبوركينا فاصو، ونعلم أيضا دور أمريكا ورهاناتها في النيجر بعد أن خلقت فيه قاعدة عسكرية للطائرات بدون طيار تراقب بها الأوضاع في الساحل والصحراء، لاسيما الاختراق الممتد لروسيا والصين في المنطقة.
هذه التحركات الأخيرة، جعلت نظام العسكر ينقض على تونس ويتدخل في شؤونها الداخلية بطريقة فيها الكثير من الوقاحة الديبلوماسية، (بعض المتابعين يتحدثون عن دور الجزائر في الاعتقالات السياسية الأخيرة في تونس). وظهرت هذه التبعية العمياء لنظام تونس لعسكر الجزائر في كثير من المحطات والمواقف المتقلبة لرئيس تونس حاليا القومي العربي، خاصة في بعض المواقف المعادية للمغرب، مما يؤكد التحكم الجزائري المفضوح وتوجيهه لمواقف رئيس تونس. هذا الزحف العسكري/ الديبلوماسي الجزائري على تونس جعله يصاب بنوع من الجنون ويتملك نزوعات خطيرة للتدخل في شؤون دول الجوار، واستهدافه أمازيغ ليبيا.
4_ التقارب الأمازيغي المغربي الليبي، لا شك في أن أمازيغ ليبيا يحظون بمكانة كبيرة وعظيمة لدى أمازيغ المغرب منذ اندلاع الثورة التي كانت بمثابة الخلاص الأخير والانعتاق التحرري التاريخي العظيم لأمازيغ ليبيا الذين يعانون من البطش ومخططات الابادة والتصفية من النظام البائد، فقد تشكلت علاقات وطيدة وقوية بين أمازيغ المغرب وليبيا مباشرة بعد الثورة، لإعادة مأسسة اللغة الأمازيغية وتقعيدها في هذا القطر الأمازيغي المهم، من خلال تبادل التجارب والخبرات والتقنيات في كل المجالات ذات الصلة باللغة والثقافة الأمازيغيتين كالتعليم والإعلام والبحث العلمي.
صفوة القول، النظام العسكري الجزائري، وهو المدمن على التدخل السافر في الشؤون الداخلية لبلدان الجوار، كالمغرب ومالي وتونس وليبيا…المحترف في تصريف أزماته وتناقضاته السياسية الداخلية والذي يعاني من تدهور مستمر في مشروعية وجوده السياسي…. عليه أن يعلم أن الأمازيغية قضية سياسية جدية، تسائل قضايا الأرض والهوية والثقافة والتاريخ والحقوق والكرامة…. وهذه أمور يتم تدبيرها بالديموقراطية والعدالة والمساواة…. وليس بمنطق الجيش والعسكرة والتدخل في شؤون دول الجوار الداخلية.