بداية العلاقات التي تربط المملكة المغربية بشقيقتها المملكة السعودية ليست وليدة اليوم، بل لها جذور في عمق التاريخ السياسي الحديث، وأوثق مما يتصوره بعض المصطادين في الماء العكر، فمهما خيمت بعض سحب الصيف العابرة على سماء العلاقات بين الرباط والرياض، فتلك السحب لن تؤثر على مسيرة البلدين التي تسندها مواقف الدعم المشترك وقرارات تاريخية تعزز روابط البلدين وتجعل مصيرهما مشتركا.
صحيح أن المغرب له علاقات استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن حينما تتعرض مصالح دول شقيقة مثل السعودية التي لا تتردد في دعم قضايانا الوطنية بكل الوضوح اللازم للتهديد والضغط، فلا يمكن لبلدنا سوى أن تقف مع التاريخ والدين واللغة وتكون منحازة لصف الشقيقة السعودية. وهذا يعني أن مصالحنا الاستراتيجية مع بعض الدول العربية، سيما السعودية والامارات والبحرين، لها الأولوية على باقي الشراكات الاستراتيجية.
طبعا لا يمكن فصل الزيارة الدبلوماسية التي يقوم بها بوريطة عن مسار التنسيق والتوافق في المواقف بين البلدين قبيل القمة العربية المزمع انعقادها بالسعودية، سواء ما يتعلق بقضيتنا الوطنية أو بخصوص التهديد الإيراني وأزلامه لدول الخليج وكذا تمدده بشمال إفريقيا بإيعاز من الجزائر، بالإضافة إلى اشتراك البلدين في مواجهة الإرهاب، وإيجاد حلول عادلة للقضية الفلسطينية بعيدا عن التوظيف المصلحي البشع، الذي يقوم به النظام العسكري الجزائري من أجل تصفية حسابات دبلوماسية.
إن الشراكة المغربية السعودية هي شراكة المصير المشترك، مبنية على إرث عالٍ من التوافق والاحترام المتبادل والمصالح السياسية الموحدة، حيث ينظر المغرب إلى السعودية على أنها جدار عال يحمي ظهره، وبالمقابل ترى الرياض في الرباط عمقها الاستراتيجي والأمني والداعم غير المتردد.
تجمع المملكة المغربية والمملكة السعودية أخوة ضاربة في عمق التاريخ وإن فرقتهما حدود أقطار، فنحن نتكلم نفس اللغة وندين بدين واحد، والعلاقات المتجذرة بين السعوديين والمغاربة لا تقف عند الكلام والعبادة، ولكن فيما هو أعمق، واسألوا أي مغربي عن أمنيته ليكون جوابه: زيارة الحرمين الشريفين، وعلى أرضهما الطاهرة سيلتئم الجسد العربي في اجتماع قمة لملوكه وأمرائه ورؤسائه لتدارس أوضاع أمة التوحيد التي يتربص بها المتربصون لتشتيتها بإشعال نار القبلية وتقزيمها إلى مجرد قبائل تتناحر فيما بينها، أعداء هذه الأمة وقد أنابوا عنهم – كما كان في غابر العصور – من ينفذ خططهم واختاروهم أو صنعوهم من لحمة بيئتهم، لتستمر الفتنة الكبرى تفتك وتشرد وتقتل أي تقدم لأي دولة ناطقة بلغة الضاد، بافتعال أدوات التفرقة التي تعاني منها اليوم مملكتنا وقد استرجعت أراضيها الجنوبية وحررتها من الاستعمار بمسيرة 350 ألف مغربي وتزكية محكمة العدل الدولية، واعتراف من المستعمر بأن تلك الأراضي اقتطعت في السابق من الدولة المغربية الشريفة.
وبعد سنوات من هذا التحرير وبداية التعمير، وبناء الإنسان وتطهيره من كيد الاستعمار، ظهر مجموعة من الأشخاص كلهم من مواليد بعض الأقاليم الجنوبية التي استرجعتها المملكة من نفس المستعمر، ليعلنوا عن معارضتهم لاستقلال باقي الأقاليم الجنوبية التي لا علاقة لهم بها بعدما جدد رؤساء قبائلها بيعة أجدادهم وآبائهم للعرش العلوي، معارضة مخدومة من الخارج ليست كالمعارضات التي تؤثث الفضاء السياسي المغربي والتي تحتكم إلى صناديق الاقتراع لتتناوب على الحكم، بل احتضنتها دولة مجاورة ووفرت لها المال والسلاح وأرض المناورات والدعم الدبلوماسي والموارد البشرية من دول مجاورة أيضا، وأوحت إليها بالانفصال عن الوطن الأم والتصريح بكيان جديد من قبل معارضين مغاربة سعوا إلى الانفصال، وجلهم أعلنوا توبتهم والتحقوا بوطنهم الأم وتقلدوا مناصب إدارية ودبلوماسية ورزقوا بأبناء على أرضه،هؤلاء الأبناء منهم سليل زعيم الصحراء الحاج الجماني رحمه الله، رئيس أكبر مقاطعة بجهة الرباط، والتي تحيط علما أختها الرياض عاصمة السعودية، التي ستستضيف بعد أيام قمة الدول العربية، وذلك للاعتماد على دعمها، وأيضا للقطع مع مؤامرات تقزيم الأقطار العربية بشغلها عن نهضتها وجعلها غير مستقرة في تنمية بلادها، فكفى ما عانت دولنا من إرهاب مصنوع وتخلف مسلط عليها، وسيف الانفصال على أعناقها، ففي اجتماع الرياض كل آمال الشعوب التي جلدها صناع الأزمات بافتعال المشاكل تلو الأخرى.
فالمملكة الشريفة قررت الانعتاق من مقصلة المؤامرات والتعامل فقط مع من يعترف بكامل جسدها وأبنائها من الأمة العربية.. إنها رسالة الرباط إلى شقيقتها الرياض متمنية لها النجاح والتوفيق.