لعبت الجزائر مرة أخرى بورقة استضافة الأحداث الإقليمية من أجل تمرير “اعتراف رسمي” بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، لكن الأمر هذه المرة اتخذ منحى خطيرا، ليس فقط لأن الأمر يتعلق باجتماع ذي طابع عسكري، ولكن أيضا لأن المشاركين فيه كانوا يمثلون حكومة الوحدة الوطنية الليبية والقوات المسلحة المصرية.
وأعلن الجيش الجزائري، امس السبت، مشاركة الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش نائب وزير الدفاع، في الاجتماع الحادي عشر للجنة رؤساء الأركان، والاجتماع العاشر لمجلس وزراء الدفاع للدول الأعضاء في هذه القدرة الإقليمية، بالنادي الوطني للجيش ببني مسوس، وذلك في إطار الاجتماعات السنوية لقدرة إقليم شمال إفريقيا.
وأعلنت الجزائر حضور القيادي في ميليشيات جبهة “البوليساريو” الانفصالية، محمـد الولي أعكيك، هذا الاجتماع، باعتباره “رئيس أركان جيش التحرير الشعبي الصحراوي” على حد تعبيرها، وإلى جانبه الفريق أول محمـد علي الحداد، رئيس هيئة الأركان العامة لحكومة الوحدة الوطنية الليبية، واللواء أركان حرب عصام الجمل، مساعد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، وأحمد احميدة التاجوري، الأمين التنفيذي لقدرة إقليم شمال إفريقيا.
والملاحظ أن ممثلي الجيشين التونسي والموريتاني غابا عن الاجتماع، على الرغم من أن الأمن يتعلق باجتماع إقليمي كما أن البلدين عضوين في المنظمة، في حين سُجل غياب ممثلي القوات المسلحة الملكية لكون المغرب ليس عضوا فيها، بينما حضر ممثل ميليشيات “البوليساريو” باعتباره ممثلا لـ”دولة” على الرغم من أنها لا تحظى بأي اعتراف على مستوى الأمم المتحدة.
وظهر ممثلا مصر وموريتانيا إلى جانب ممثل “البوليساريو”، ووضع المنظمون علميهما إلى جانب العلم الجزائري وعلم الجبهة الانفصالية في واجهة الصور التي تم ترويجها، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول مستقبل العلاقات الدبلوماسية بين الرباط من جهة وطرابلس والقاهرة من جهة أخرى، بعد أن كانت تلك العلاقات قد تقوت بشكل واضح في السنوات الأخيرة.
وكانت ليبيا، في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، الممول الرئيس لجبهة “البوليساريو” في السبعينات والثمانينات، واعترفت بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، لكنها أبعدت نفسها عن الطرح الانفصالي في السنوات الماضية، في ظل علاقاتها الوثيقة مع المغرب، الذي تحولت أراضيه إلى فضاء لعقد حولات الحوار بين الأطراف المختلفة بهدف إنهاء الصراع بينها.
أما القاهرة، فيبدو موقفها أكثر غرابة، فقبل عام من الآن وتحديدا في 9 ماي 2022، أصدر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، ونظيره المصري سامح شكري، بيانا مشتركا تلا اجتماعهما في الرباط، جاء فيها أن القاهرة تدعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية وترحب بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما نحو التسوية السياسية.
وأكد شكري حينها موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب، والتزامها بالحل الأممي لقضية الصحراء، وتأييدها لما جاء بقرارات مجلس الأمن وآخرها القرار رقم 2602 لعام 2021، الذي رحب بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدماً نحو التسوية السياسية، وهو نفسه القرار الذي رحبت به الرباط وهاجمته الجزائر وجبهة “البوليساريو”.
ووفق وزارة الدفاع الجزائرية فإن جدول أعمال الاجتماع المذكور، الذي تلى الاجتماع الرابع عشر لخبراء الدول الأعضاء في قدرة إقليم شمال إفريقيا، تمحور حول تقييم حصيلة نشاطات القدرة خلال عام 2022 ودراسة سبل وآليات تطوير مكوناتها، كما شكل هذا الاجتماع فرصة لتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وألقى شنقريحة كلمة أمام الحاضرين تحدث فيها عن أن منطقة شمال إفريقيا وعلى غرار باقي مناطق القارة الإفريقية، “تواجه تحديات كثيرة في مجال السلم والأمن، كالإرهاب والجريمة المنظمة والصراعات المسلحة والنزاعات الحدودية، الأمر الذي يتطلب منا، أكثر من أي وقت مضى، التعاون لمواجهة هذه التحديات، والعمل على الحد من العنف والتطرف وجميع أشكال الجريمة العابرة للحدود”، على حد تعبيره.
ليبيا.. هدف أمني محض
عادل عبد الكافي، عقيد ليبي مستشار عسكري سابق للقائد الأعلى للجيش، علق على حضور محمد علي الحداد في هذه الاجتماعات بالقول إنه “يأتي في سياق أمني مقلق مرتبط بتطورات الوضع في السودان وحالة السيولة الأمنية التي تشهدها منطقة الساحل، والتي تشكل خطرا على أمن الدولة الليبية وعلى المنطقة ككل”.
وبالتالي، فالمؤسسة الأمنية الليبية، يضيف عبد الكافي، “تحاول ما أمكن التواجد في مثل هذه اللقاءات بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى”، معتبرا أن “الهدف منها أمني محض، وهو تبادل المعلومات الأمنية والعسكرية مع بعض دول الجوار بشأن المجموعات الإرهابية التي تنشط على الحدود الليبية”.
المتحدث ذاته في تصريح صحفي، أكد أن حالة الضعف التي تمر منها بلاده، في ظل الانقسام السياسي والعسكري بين الشرق والغرب، “لا يمكن أن يكون معها لليبيا أي مواقف تجاه قضايا المنطقة، فهي تسعى، في ظل الإمكانيات المتاحة، للتواجد في مثل هذه المحافل لإيجاد موقع لها في المشهد الأمني، بعيدا عن أي تجاذبات سياسية مرتبطة بقضايا المنطقة”.
وعن موقف المؤسسة العسكرية الليبية من القضية الوطنية، رد عبد الكافي بأن “الليبيين لا يمكن أن ينكروا الدور المهم للمملكة المغربية في احتضان عدة حوارات سياسية ولقاءات للقيادات العسكرية من أجل حلحلة الأزمة الليبية والوصول إلى توافقات تنهي الاقتتال والتطاحن الدائر بينهم”.
مصر.. موقف ثابت
من جهته، أكد عباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، أن “الموقف المصري الرسمي من قضية وحدتنا الترابية موقف واضح سبق أن أكده وزير الخارجية المصري في عديد لقاءاته مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، وهو أن القاهرة مع مغربية الصحراء”.
وأفاد الوردي، في تصريح صحفي، بأن “ما يجمع المملكة المغربية وجمهورية مصر العربية أكبر مما يمكن أن يزج بعلاقتهما في إطار جلوس ممثل كيان انفصالي إلى جانب مسؤول عسكري مصري”.
وشدد أستاذ القانون العام على أن التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظيت بها هذه الاجتماعات، لا تعدو أن تكون “حركة من حركات الجزائر التي تحاول الزج بمجموعة من الدول التي لها علاقة استراتيجية مع المملكة في النزاع المفتعل حول الصحراء”، مضيفا: “ليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الجزائر بهذا الفعل، فقد سبق أن فعلت ذلك في عديد المناسبات والاجتماعات، على غرار قمة تيكاد في العام الماضي”.
وخلص المتحدث ذاته، إلى أن “العالم بات يقف على أن الجزائر تدير حربا بالوكالة ضد المغرب، وعلى أن الدبلوماسية المغربية أصبحت مؤرقة للنظام الحاكم في الجزائر”.