الزيارة التي يقوم بها رئيس البرلمان الموريتاني محمد ولد مكت إلى المغرب على رأس وفد برلماني مهم ليست مجرد زيارة بروتوكولية، بل هي فرصة عمل حقيقية لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. تنبع أهمية هذه الزيارة أولا من قيمة الوفد الموريتاني الذي يضم بين صفوفه برلمانيين يمثلون كافة أطياف المشهد السياسي والحزبي الموريتاني سواء من الموالاة أو المعارضة. هذه الزيارة هي فرصة مثالية لتعزيز التعاون المشترك بين المؤسستين التشريعيتين في نواكشوط والرباط. لكن هناك أيضا أهمية سياقية لا بد من الوقوف عند أبعادها. فالظاهر أن الدعوة التي وجهها رئيس البرلمان رشيد الطالبي العلمي إلى نظيره الموريتاني تمثل استجابة سريعة لما ورد في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية في أكتوبر الماضي.
لقد أكد جلالة الملك خلال هذا الخطاب على أهمية تفعيل الدبلوماسية البرلمانية، وتعزيز أدوارها في مجال الترافع عن القضية الوطنية والدفاع عنها. ومن المؤكد أن البرلمان الموريتاني يمثل أقرب المؤسسات التشريعية إلى هذه القضية سواء جغرافيا أو تاريخيا. لا أحد يمكن أن ينكر الدور المحوري للجارة الموريتانية في ملف الوحدة الترابية للمملكة نظرا إلى العلاقات الإنسانية والقومية والترابية وكذا الأهمية التي يمثلها هذا الملف بالنسبة لاستقرار موريتانيا ورخائها. وفي هذا السياق تمثل زيارة رئيس البرلمان الموريتاني إلى المغرب مناسبة ذات أولوية لبلورة مخطط عمل برلماني مشترك يمكن أن يشكل قناة تواصل دائمة بين البلدين.
لذا؛ فإن إطلاق مبادرة المنتدى البرلماني المغربي الموريتاني التي تم الإعلان عنها في فبراير الماضي، يأتي على رأس جدول أعمال هذه الزيارة التي يقوم بها محمد ولد مكت إلى المغرب. تمثل هذه المنتديات المشتركة أطرا مهمة تسهّل عمليات التواصل المنتظم، وتبادل وجهات النظر، وتنسيق المواقف حول القضايا الإقليمية والدولية. هناك الكثير من أطر العمل البرلماني المشترك التي حققت نجاحات كبيرة في تقريب وجهات النظر، والدفاع عن المصالح المشتركة، على غرار المنتدى البرلماني المغربي الفرنسي. ومن المؤكد أن إطلاق هذه المبادرة والحرص على تنظيمها بصفة دورية كفيل بالحفاظ على روح التناغم والانسجام في مقاربة قضية مهمة للبلدين مثل قضية الصحراء المغربية.
ولعلّ مجموعة الصداقة البرلمانية المغربية الموريتانية التي تم تشكيلها في يناير الماضي بمشاركة 20 برلمانيا موريتانيا يمثلون مختلف الهيئات الحزبية والسياسية في موريتانيا تمثل نواة مناسبة لتعميق هذا العمل، وتحويله إلى آلية ملتزمة بمقاربة القضايا الثنائية. وما يزيد أهمية هذا العمل على تعزيز أدوار الدبلوماسية البرلمانية أهمية هو الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة المغربية. فقد حظي رئيس البرلمان الموريتاني باستقبال رسمي من وزير الخارجية ناصر بوريطة، ويمثل هذا الاستقبال إشارة قوية من السلطات العليا تؤكد أن العمل الدبلوماسي البرلماني أولوية من أولويات المرحلة الراهنة، التي يمكن أن تعطي زخما كبيرا للعمل الجبار الذي حقّقته الخارجية في الدفاع عن قضية الوحدة الترابية، وأدى إلى دينامية إيجابية وتحولات جوهرية في مواقف العديد من الدول الوازنة.
هناك إشارة أخرى لا تقلّ أهمية فيما يتعلق بزيارة العمل التي يقوم بها رئيس البرلمان الموريتاني إلى المغرب. إنها تتعلق أساسا بالمكانة الكبرى التي يوليها المغرب للعمل المؤسَّسي. فالدعوة التي وجهها رئيس البرلمان المغربي رشيد الطالبي العلمي إلى نظيره الموريتاني، والاستجابة السريعة لها، والتنسيق الهائل الذي يجري على قدم وساق بين الطرفين، يُظهر إلى أيّ حد يمكن أن تؤدي المؤسسات المختلفة للدولة أدوارا دبلوماسية مؤثرة على غرار هذا الدور الذي تؤديه المؤسسة التشريعية. وهناك فعلا على جدول أعمال المؤسستين البرلمانيتين المغربية والموريتانية الكثير من القضايا والملفات التي تحتاج إلى التدقيق والمناقشة والتفكير الإيجابي للخروج بمقترحات وتصورات تسهّل عمل الجهات التنفيذية والحكومية.