تجد الجزائر نفسها اليوم أمام معضلة دبلوماسية كبرى، مع انهيار التحالفات الإقليمية التي طالما شكلت حجر الزاوية لسياستها الخارجية. التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط أدت إلى زعزعة ركائز أساسية في شبكة العلاقات الجزائرية، مما أجبرها على مواجهة واقع جديد يتطلب إعادة تقييم استراتيجيتها الدبلوماسية.
في خطوة تبرز تضامن الجزائر مع حلفائها، أعلن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في الثالث من ديسمبر الجاري دعم بلاده الثابت لسوريا، رغم الأزمات المتصاعدة. لكن بعد وقت قصير من هذا الإعلان، أطاحت قوات المعارضة بالرئيس السوري بشار الأسد، مما أدى إلى فراره من دمشق واختفائه عن المشهد.
التحديات لم تتوقف عند سوريا، بل امتدت إلى حزب الله، الحليف الآخر للجزائر. المنظمة تعرضت لضربات عسكرية قاصمة، أبرزها مقتل زعيمها حسن نصر الله في سبتمبر 2024. هذه الخسارة المفصلية شلت قدراتها العسكرية والتنظيمية، مما أدى إلى إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ركيزة أخرى لطالما اعتمدت عليها الجزائر في تحقيق توازن إقليمي.
تداعيات هذه الأحداث ليست فقط عسكرية أو سياسية، بل تتجاوز ذلك لتترك الجزائر في موقف حساس على المستوى الدبلوماسي. سقوط حلفائها التقليديين، سواء بسوريا أو حزب الله، عزز من عزلتها الإقليمية وقلل من قدرتها على المناورة في المشهد الجيوسياسي المتغير.
ومع تضاؤل نفوذ إيران في المنطقة، تجد الجزائر نفسها في حاجة ماسة إلى بناء تحالفات جديدة أكثر استقرارًا، بعيدًا عن الارتباطات التقليدية.
الأزمة الحالية تمثل فرصة للجزائر لإعادة التفكير في نهجها الخارجي. على القيادة الجزائرية أن تنظر إلى هذه التحديات كدعوة لوضع استراتيجية جديدة تركز على تنويع شركائها الدوليين وتجنب الاعتماد على تحالفات هشة. بناء علاقات متوازنة مع قوى إقليمية ودولية مختلفة قد يكون المفتاح لتحقيق الاستقرار الدبلوماسي وضمان المصالح الوطنية.
في ظل هذه المتغيرات السريعة، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الجزائر من التكيف مع هذا الواقع الجديد عبر إعادة صياغة دورها الإقليمي والدولي، أم ستظل رهينة التحالفات القديمة التي أصبحت عبئًا أكثر من كونها مصدر قوة؟ الإجابة ستحدد مسار الجزائر في المستقبل القريب، وتكشف مدى قدرتها على الصمود في وجه التحديات الجيوسياسية الراهنة.