أحمد نورالدين، خبير في العلاقات الدولية
لا شك أن فهم ما يجري الآن في سورية من التعقيد بحيث يصعب إعطاء قراءة موضوعية وواضحة في اليوم الأول من فرار الطاغية ودخول المعارضة الى العاصمة دمشق.
الشعب السوري دفع ثمنا باهضا في ثورته من أجل التحرر من الدكتاتورية، وقدم ضريبة غالية جدا تجاوزت نصف مليون من الشهداء وحوالي أحد عشر مليون من المُهجّرين داخليا وخارجيا، حسب أرقام مرصد الثورة السورية.
ولكن انتصار الثورة تتداخل فيه عوامل جيوسياسية كثيرة تماما كما كانت تلك العوامل نفسها سبباً في دعم بقاء النظام الدكتاتوري السوري بعدما كادت الثورة في سنواتها الأولى أن تسقطه. ولولا تدخل روسيا بثقلها وتدخل إيران بكل قوتها العسكرية وميليشياتها الطائفية الشيعية من كل بقاع الأرض، لما استطاع النظام السوري البقاء إلى اليوم.
لذلك لا يمكن أن نفصل انهيار النظام عن المتغيرات الإقليمية والدولية التي حصلت مؤخرا وعلى رأس هذه المتغيرات إضعاف حزب الله اللبناني الذي كان لديه اكثر من عشرين الف مقاتل في سورية للدفاع عن نظام بشار الأسد، ولكن هذا المعطى لا يكفي لتفسير ما جرى، أكيد أن هناك حسابات أخرى مرتبطة بإدارة الحرب الجارية بين روسيا والدول الغربية على الساحة الأوكرانية، كما أنه من المؤكد أن هناك تفاهمات أمريكية تركية وربما تم إشراك بعض دول الخليج أيضا حول مابعد سقوط بشار، وما يعنيه من إعادة صياغة خرائط التحالفات في المنطقة.
كما لا يمكن أيضا أن نلغي ذكاء قيادة الفصائل السورية التي توحدت قبل فترة، واستفادت من دروس انقسامها سابقا. وأخيرا اختيار التوقيت كان مهما جدا، فالظرفية الحالية تتميز بفترة انتقال السلطة في البيت الابيض، مما يقلص هامش مناورتها نسبيا طبعا. ويتميز التوقيت أيضا بانهيار محور إيران وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، بالاضافة الى معاناة روسيا في اوكرانيا. ولا يمكن أن نقفز على الدور المركزي لتركيا على كل المستويات السياسية والعسكرية واللوجستية.
ولكن تبقى المرحلة القادمة هي الأخطر، فهل ستنجح فصائل الثورة السورية المتباينة ايديولوجيا في تأمين الانتقال من الثورة إلى الدولة بشكل سلمي آمن؟ أم أنها ستعيد إنتاج التجارب الكارثية في دول الربيع من اقتتال على السلطة؟ طبعا الجواب على هذا السؤال لا يرتبط بالسوريين وحدهم، بل تتدخل فيه الأيادي الخارجية التي قد يكون من مصلحتها إبقاء الفوضى في هذا البلد المحوري، لأن سورية قطعة استراتيجية في أي ترتيبات للنظام الإقليمي الجديد بمنطقة الشرق الاوسط كلها. فسورية لها حدود مع العراق ومع السعودية ومع تركيا بالإضافة إلى لبنان والاردن، وكانت حليفا رئيسا لطهران منذ عقود. وهذا وضع جيوسياسي يجعل اللاعببن الاقليميين والدوليبن يسعون إلى ضمان مكان حول طاولة اي ترتيبات مستقبلية في سورية. وهناك القضية الكردية التي تشكل هاجسا لتركيا، بالإضافة إلى الفصائل المقاتلة المصنفة ضمن الجماعات الارهابية، مما سيجعل مشاركتها في الحكم أمرا مرفوضا عربيا وأوربيا وأمريكيا، وهناك القواعد العسكرية الروسية في ميناء طرطوس وفي مطار حميميم.
وأخيراً، بالنسبة لنا في المغرب، اتمنى أن تتجند الخارجية المغربية لاستثمار سقوط النظام السوري من أجل تسريع إسقاط حليفه النظام العسكري الجزائري الذي دعم نظام بشار الاسد الى آخر رمق، وهذه فرصة لا يجب إضاعته.