الدعم الذي قدمه نظام الكابرانات الجزائري للنظام السوري الذي يقوده الجزار بشار الأسد يشكل وصمة عار تنضاف إلى قائمة طويلة من الجرائم التي ارتكبها نظام العصابة العسكرية. وتفسير هذا التفاهم والانسجام الكامل بين النظامين وراءه عدة اعتبارات تاريخية وأيديولوجية وسياسية، بعضها معروف مثل مزاعم الدعم الذي قدمه حزب البعث للثورة الجزائرية، والانخراط المبكر للنظامين في المعسكر الشرقي والتبعية للاتحاد السوفياتي. لكن لماذا واصل الجزائريون دعم هذا النظام حتّى الرمق الأخير على الرغم من الإجماع العربي بل والدولي ضد جرائمه وجناياته في حق الشعب السوري؟ من المؤكد أن الصدمة التي عاشها الموالون لنظام بشار الأسد وأزلامه في سوريا يعيشها أيضا نظام الكابرانات اليوم تحت الصدمة.
هناك صمت مطبق ورهيب في الأوساط الرسمية الجزائرية تّجاه سقوط الطاغية بشار الأسد. لم تصدر لا الرئاسة الجزائرية ولا وزارة الشؤون الخارجية أيّ بلاغ تّجاه هذا الحدث التاريخي الذي يمكن أن يغير وجه الشرق الأوسط. وهذا الصمت الشبيه بالصدمة يعكس مستوى العزلة التي أضحى نظام الكابرانات يشعر بها. فمع رحيل نظام بشار الأسد عن سوريا يخرج آخر حليف عربي رسمي وموضوعي للنظام الجزائري من واجهة الحكم في رقعة الاستبداد العربي. ومعه يغادر أيضا آخر داعم لمؤامرة الانفصال التي افتعلتها الجزائر في الصحراء المغربية. لكن بعيدا عن التقاطع بين النظامين في معاداة الوحدة الترابية للمملكة، يبدو أن النظام الجزائري الذي تحالف ضد حق السوريين في التمتع بالحرية يجد نفسه اليوم في حرج كبير يدفعه إلى لزوم الصمت.
فالشعب السوري الذي استعاد حريته بعد ثورة استمرت 13 عاما ارتكب فيها النظام السوري فظاعات لا يتصورها إنسان، لن ينس أبدا الدور الذي لعبه نظام الكابرانات في تمويل نظام بشار الأسد بالوقود والمال والدعم السياسي على الصعيد العربي والدولي. ولن ينس أبدا أن النظام الجزائري كان أشد المدافعين عن عودة النظام السوري إلى رحاب الجامعة العربية من جديد على الرغم من كل المناشدات التي رفعتها المعارضة السورية لمحاصرة هذا النظام الإجرامي. وعلى الرغم من هذا الموقف المحرج والمخزي الذي وضع فيه النظام الجزائري نفسه، فإن الخوف الحقيقي الذي يتملكه حاليا هو أنه أضحى تقريبا النظام الوحيد الذي يؤسس شرعيته على إرث الحرب الباردة ويستمر في المتاجرة بمقولات الممانعة المزعومة ضد الاستعمار، والاصطفاف تحت مظلة معسكر شرقي لم يعد له وجود.
نذكر جيدا كيف وضع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نفسه في موقف خادم مطيع في لقائه الأخير بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، على غرار ما كان يفعل الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. لكن لأن هذا النظام جبان ولا يقل تخلّفا عن نظام العائلة الأسدية فإنه مع ذلك يمكن أن يشكل قاعدة خلفية لفلول هذه العائلة. هناك الكثير من القادة العسكريين والمسؤولين الأمنيين وأفراد عائلة الأسد الذين يبحثون اليوم عن ملاذ بديل بعد الهروب من سوريا، ومن غير المستبعد أن تقدم الجزائر هذا الملاذ الآمن، وتستقبل ثروات الشعب السوري التي يمكن أن يهرّبها هؤلاء من البلاد. وإذا كانت روسيا قد أعلنت تخلّيها رسميا عن دعم النظام السوري حتّى انهياره، فمن المحتمل أن تتجنّب توفير الملاذ الآمن لبشار الأسد المطلوب اليوم دوليا بسبب جرائمه.
فهل يتورط النظام الجزائري في استقبال العصابة الأسدية؟ هذا أمر محتمل جدا. وهناك عدة دوافع قد تشجع نظام الكابرانات على استقبال فلول بشار الأسد. أولا يمكن أن يفعل النظام الجزائري هذا الأمر انسجاما مع ولائه لإيران وعلاقاته الوثيقة معها. ومن المحتمل أن تطلب طهران من نظام الكابرانات الإسهام في عملية إيواء هؤلاء الفلول وما أكثرهم. بل يمكن أن يكون هذا القرار استجابة أيضا إلى الطلب الروسي، ما دام النظام الجزائري ما يزال حريصا على المظلة الروسية. وثانيا يمكن أن يقبل هذا النظام استقبال فلول الأسد لأن الكابوس الحقيقي الذي يسكن قادة النظام العسكري في الجزائر هو المحاسبة والمساءلة. فالجرائم التي ارتكبتها العصابة العسكرية ضد الجزائريين خلال العشرية السوداء لا تزال دون محاسبة، وعلى الرغم من كل المبادرات التي قدمها النظام وعلى رأسها قانون الوئام المدني، فإن هناك الكثير من الحقوق والانتهاكات التي تم التغافل عنها عمدا. لذا؛ يكره النظام الجزائري أن يرى أيّ نموذج عربي أو إفريقي للمحاسبة أو المساءلة على غرار ما حدث بعد سقوط الكثير من الأنظمة الاستبدادية مثل نظام القذافي أو نظام صدام حسين. وهذا وحده مبرر كافٍ لدفع العصابة العسكرية إلى وأد أيّ محاولة للمساءلة والقصاص من الأسد وقادة نظامه، لأن في ذلك تذكير للجزائريين بحقوقهم التي أهدرها الجنرالات بالدم والحديد على مدار عقود طويلة.