بدأ البعض يُصلُّون صلاة الاستسقاء لأجل هطول الأمطار، وبدأ الآخرون يفكرون في الهجرة. وكان اللون البُني يكسو الجبال المطلة على المدينة التي حُرِمَت هطول الجليد المعتاد في الشتاء.
تواجه إيران كارثة مائية تهددها بالجفاف، وقد أثارت مخاوف المسؤولين الذين يخشون التظاهرات والاضطرابات التي قد تندلع إذا لم تتحسن الظروف. وهناك حديث عن أنَّ الحكومة ستتولى تقسيم المياه على المواطنين في العاصمة طهران، واحدة من كبريات مدن الشرق الأوسط، لأنَّ أمطار الشتاء المعتادة لم تهطل، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وقال آية الله رضا أستادي، عضو المجلس الأعلى للحوزة العلمية في قم، في خطبة ألقاها يوم 19 يناير 2018 بمدينة قم المقدسة: “دائماً ما يبتلي الله الناس بأنواع متعددة من الكوارث. نحن نسأل الله أن يغفر ذنوبنا بصلاة الاستسقاء، وندعوه أن يُنزِّل علينا بركاته”.
لكنَّ الصلوات، وآمال الكثيرين من غير المتدينين في طهران، قد استُجيبت. فقد بدأت عاصفة ثلجية في إيران مساء السبت، 27 يناير، وغطَّت أجزاءً كبيرة من البلاد، وأصابت الجميع بالدهشة.
بهجة الإيرانيين بالثلوج
وتغيَّرت الأحوال فجأةً، فقد أُغلقت المدارس في مناطق عديدة من البلاد، ولم يستطع معظم الناس الذهاب إلى أعمالهم، ووصفت الشرطة الموقف بأنَّه “حرج”.
عادةً ما يتساقط الكثير من الجليد على طهران، الواقعة على سفوح سلسلة جبال ألبرز، لكن في السنوات الأخيرة كانت المدينة غالباً ما تُغطَّى بضبابٍ أصفر في شهور الشتاء.
وهذا العام، حين تساقط الجليد أخيراً، بدأ الناس في طهران يبتهجون، وفعلوا كما يفعل سائر الناس في العالم: استمتعوا بوقتهم، وتقاذفوا كرات الجليد، وبنوا رجال الجليد ذوي الأنوف المصنوعة من الجزر.
وقال كاوه مدني، نائب رئيس هيئة البيئة الإيرانية: “كنا نخشى ألا نرى الجليد ثانيةً في تلك المدينة”.
وأضاف: “حين كنتُ طفلاً، كانت المدارس تُغلَق بسبب كثافة الثلوج، لكنَّها في يومنا هذا تُغلَق بسبب تلوث الهواء. يُظهر ذلك كم تغيرت بيئتنا، وما فعلناه بالمدينة”.
وبالتأكيد لم يقتصر الأمر على اللعب واللهو. ففي الطريق السريع الذي يصل بين طهران وقُم، لم يستطع المئات من الناس الخروج من سياراتهم، بمن فيهم نائب رئيس سابق جرى إيصاله إلى بر الأمان بعد ساعاتٍ عديدة. وقد غُطيت الطائرات العالقة في مدارج الإقلاع بمطار الإمام الخميني الدولي في طهران بطبقةٍ من الثلوج بلغ سُمكها 48 سم.
الجفاف لم ينته
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، احتفى الكثيرون بنهاية فترة الجفاف الطويلة، التي تُعدُّ الأطول منذ 47 عاماً. لكنَّ أي احتفال يُعدُّ سابقاً لأوانه، فالعاصفة الثلجية لا تعني انتهاء فترة الجفاف في إيران.
إذ وصلت المياه في السدَّين الأساسيين الموجودين أعلى الجبال، ويوفران مياه الشرب والكهرباء للمدينة البالغ عدد سكانها 12 مليوناً، إلى مستوياتٍ منخفضة غير مسبوقة. وقد انضم عشرات الآلاف إلى التظاهرات التي اندلعت في البلاد قُبيل بداية العام الجديد، مُندِّدةً بالاقتصاد المتدني، والقوانين الخانقة، وفساد النظام.
وقد رفع الجفاف مستوى القلق، وأشار الكثيرون في طهران إلى أنَّ المطلوب ليس الصلاة وإنما قيادة أفضل، إذ يقولون إنَّ إدارة المياه الكارثية سمحت ببناء مئات الآلاف من الآبار غير القانونية، مما ساهم في خفض مخزون المياه.
وحذَّر غلام رضا خوش خلق، رئيس شركة كهرباء طهران، من أنَّ مستويات المياه أقل مما يكفي لتوليد الكهرباء في الصيف. ولن تستطيع السدود توليد كهرباء كافية حين تزداد الحاجة إليها مع ارتفاع درجات الحرارة. وقد تنبأ بـ”تكرار انقطاع التيار الكهربي”.
ونتيجةً للجفاف المستمر، بدأت أرض طهران تهبط بسبب جفاف الطبقات الخازنة للمياه تحت الأرض. وتكرَّر ظهور الفتحات الناتجة عن الهبوط الأرضي في البلاد، وقد انهارت أجزاء من الطرق السريعة والجسور العلوية في العاصمة، وفي بعض الحالات سحبت معها سياراتٍ وأُناساً إلى داخل الأرض.
وقال مدني، نائب رئيس هيئة البيئة، الذي درس في الولايات المتحدة وبدأ مؤخراً في تدريس تحليل نظام السياسات البيئية في كلية إمبيريال بلندن: “يجب ألا نخدع أنفسنا”.
وأضاف: “كانت الثلوج كثيفةً، لكنَّها لا تكفي لتلبية حاجتنا إلى المياه. ما زال الجفاف موجوداً، وأمامنا عام صعب جداً، فالمستودعات والطبقات الخازنة للمياه فارغة، واحتياجنا للمياه لا ينتهي”.