المسؤول عن النشر و الاعداد
قررت المملكة المغربية استغلال شراكتها مع العديد من الدول الغربية، بهدف تعزيز قدراتها العسكرية وامتلاك أنظمة دفاعية هجومية تكنولوجيا متقدمة، وذلك في إطار استراتيجية عسكرية جديدة تعتمد على توفير المعدات والتجهيزات العسكرية المتطورة، موازاة مع الاهتمام بالعنصر البشري.
وقد دخل المغرب عالم تصنيع الأسلحة والذخيرة بصدور مرسوم رقم 2.23.925 القاضي بإحداث منطقتين للتسريع الصناعي الدفاعي، في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، وذلك بعد المصادقة عليه في المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك محمد السادس في الشهر الماضي، بهدف تطوير الاستراتيجية العسكرية في اتجاه أن يصبح تطور الصناعة العسكرية مجالا مفتوحا للاستثمار، خاصة وأن المغرب يعتبر من أفضل الدول التي تتميز بشروط النجاح في مجال توطين الصناعة التسليحية.
وبرزت معالم ولوج المغرب للصناعة العسكرية الدفاعية، بداية بتنزيل النصوص القانونية والمؤسساتية التي تسمح للقطاعات المعنية بإبرام الاتفاقات والبحث عن شراكات ثنائية وأخرى متعددة الأطراف، بهدف توطين الصناعات العسكرية وتلبية احتياجات القوات المسلحة الملكية، وتخفيف الاعتماد على السلاح الخارجي واعتبار التصنيع العسكري ضمن خطط تنويع المصادر، ثم المرور إلى إنشاء منطقتين للتسريع الصناعي للدفاع، لاحتضان الصناعات المتعلقة بمعدات وآليات الدفاع والأمن وأنظمة الأسلحة والذخيرة.
ويسعى المغرب، في إطار الصناعة العسكرية، إلى تعزيز شراكته مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تربطه اتفاقية تمتد إلى 2030، تتضمن المساهمة في الاستثمار وتصنيع الدرونات، ومن المتوقع أن يوقع شراكات أخرى في المجال العسكري مع بلدان أخرى، مثل ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا والبرازيل والصين.
وحسب محمد شقير، الخبير في الشؤون العسكرية، فإن خلق صناعة حربية يرتبط بتوطين صناعة حربية بدوافع جيوسياسية إقليمية تتمثل في حفاظ المغرب على توازناته الاستراتيجية في فضائه الجيوسياسي، وذلك للتطورات التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء، وكذا للتخفيف من تبعيته العسكرية للخارج، فالرغبة في خلق صناعة عسكرية محلية، يقول شقير، تندرج في إطار رؤية سياسية للالتحاق بالدول الصاعدة والتي تضع تطوير منصة صناعية حربية في قلب تنمية قطاعاتها الوطنية والمحلية، مثلا، مصر لها استثمارات ضخمة في الأسلحة والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى منشآت لتطوير صناعتها العسكرية، حيث تعتبر الصناعة العسكرية في مصر من أكبر الصناعات الحربية في الشرق الأوسط، التي تنتج أسلحة مختلفة، منها أسلحة المشاة الخفيفة، والذخائر، والدبابات والصواريخ، وبالنسبة لصناعة الأسلحة المرخصة، فمصر تتعاون مع عدد من الدول في مجال التصنيع العسكري، ولديها 16 مصنعا للصناعات العسكرية والمدنية المملوكة للدولة، ولها حق الاحتكار في إنتاج الذخائر وتجميعها في مصر.
وأكد ذات الخبير في الشؤون العسكرية، أن المغرب يرغب في خلق صناعة حربية، خاصة في إطار التنافس الإقليمي مع الجزائر، الذي انتقل من مرحلة السباق نحو التسلح إلى التنافس على توطين الصناعات العسكرية، وهناك توجه لدى صانع القرار السياسي على تقليص التبعية للخارج فيما يخص استيراد بعض الأسلحة وتموين مختلف فرق القوات المسلحة بمختلف القطع الحربية والعسكرية ذات الاستهلاك الروتيني، بالإضافة إلى مساعدة بعض الجيوش الإفريقية على امتلاك بعض الآليات العسكرية التقليدية والكلاسيكية الضرورية في التمارين والعمليات الحربية والأمنية، لذلك لجأ المغرب إلى إقامة شراكات متعددة في إطار سياسة تنويع الشركاء والتي تبناها المغرب في العديد من قطاعاته الاستراتيجية للاستجابة الفعالة لحاجياته الحيوية وتقليص الارتباط بموردين محدودين لعدم الوقوع في فخ التبعية الاستراتيجية.
فبالإضافة إلى شراكات مع الحلفاء التقليديين، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، لوحظ في السنوات الأخيرة انفتاح القيادة العسكرية في الرباط على أسواق مختلفة ومهمة، كتركيا والهند وإسرائيل والبرازيل، التي تعتبر من الأسواق الصاعدة في قطاع الصناعات الحربية والتي سيستفيد منها المغرب من أجل تعزيز رؤيته المتعلقة بتنزيل خارطة طريقه المرتبطة بصناعة عسكرية محلية.
ثم إن سن المملكة لترسانة قانونية تتعلق بالتصنيع العسكري، سواء عن طريق المراسيم التي تمت المصادقة عليها أو من خلال إبرام العديد من الاتفاقيات مع مختلف الأطراف كأمريكا وإسرائيل وغيرها، هيأ الأرضية الملائمة للتصنيع الحربي بالمغرب، وفتح المجال للاستثمار في هذا القطاع، سواء من قبل القطاع الخاص أو العام، من خلال تعبئة التمويلات التي ستسمح بتنفيذ هذه الصناعة الوطنية التي تحتاج لتمويلات كبرى، كما أن هذا الاستثمار المزدوج سيسمح بتحقيق الهدف المنشود بالنظر إلى أن المملكة تعد اليوم منصة لاستقطاب مجموعة من الشركات، خاصة تلك التي تعمل على تصنيع قطع غيار الطيران المدني، يقول محمد شقير، مبرزا أن المرسوم المتعلق باستحداث منطقتين للصناعات العسكرية يهدف إلى توفير حاضنة صناعية لإنتاج معدات دفاع وأمن وأنظمة أسلحة وذخيرة، على غرار خلق مناطق للصناعة المدنية، فإنشاء هاتين المنطقتين الصناعيتين كان ضروريا لتسهيل مهمة المستثمرين الأجانب والمحليين، مشيرا إلى أن ما اتخذه المغرب من خطوات، أوجد الإطار الذي سيسهل على المستثمرين خلق هذه الصناعات، خاصة بمنطقتي بن سليمان والنواصر، ضواحي العاصمة الاقتصادية للمملكة.
وكشفت منصة “غلوبال فيرباور” الأمريكية، المختصة في رصد القوى العسكرية في العالم، أن المغرب يسير نحو تطوير الصناعة العسكرية، إذ يتمركز ضمن الدول العشر التي تتمتع بأفضل القدرات التسليحية في إفريقيا، وبدعم من الولايات المتحدة وبالتعاون مع قوى عسكرية أخرى، بدأ المغرب يستعد لإنشاء مجمعات صناعية جديدة مخصصة لتصنيع الدبابات القتالية والمعدات العسكرية بهدف تحقيق الاستقلال التام في هذا المجال.
وسبق أن أكد عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، أن المغرب بدأ في إعداد تصور لإحداث منطقة صناعية متخصصة في الصناعة الدفاعية، وأنه يضع أسس صناعة دفاعية حديثة، علاوة على أنه البلد الوحيد في إفريقيا الذي لديه مصنعا للطائرات بدون طيار.
وأوضح لوديي، أن المملكة المغربية اتخذت خطوات حازمة لبناء صناعة دفاعية عالية التقنية، وتلقت العديد من الطلبات من دول أجنبية للاستثمار في هذا القطاع، وقد تم تحقيق ذلك من خلال شراكات واتفاقيات مع العديد من الدول الرائدة في هذا المجال لترويج الأسلحة المحلية للقوات المسلحة المغربية.
وحسب خبراء في المجال، فإن توجه المغرب نحو الصناعة العسكرية المحلية، لن يحقق درجة كبيرة من الاستقلال فحسب، بل سيستفيد أيضا اقتصاديا واجتماعيا من خلال إنشاء مشاريع صناعية عسكرية بالمملكة، مما سيعزز مكانة المغرب الإقليمية والقارية ذات الأبعاد الاقتصادية والأمنية المرتبطة بالتطور الجيو-سياسي للمنطقة.