كانت جلسة ساخنة تلك التي شهدها البرلمان المغربي، لكنها لم تكن ذات جدوى؛ إذ بعد ساعات طويلة من النقاش تحت قبة البرلمان حول معاشات البرلمانيين، فشلت الفرق البرلمانية في تبني مقترح واحد بإلغاء المعاشات أو الإبقاء عليها، وهو ما أعاد الملف إلى نقطة الصفر.
بالمقابل، بدا الوزراء المغاربة -وعلى رأسهم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني- مُتشبِّثين بموقفهم الرافض لإنقاذ الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين الموكول إليه صرف معاشات البرلمانيين المغاربة، عبر ضخِّ أموال ميزانية الدولة فيه.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها هذا الموضوع جدلاً واسعاً بين المغاربة؛ إذ تفتَّقت قريحة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي هذه المرة عن إطلاق حملة ساخرة حملت اسم «عاوِنوا البرلمانيين»، عقب متابعتهم مراحل النقاشات بين الفرق البرلمانية.
ساعِدوا البرلمانيين.. الفقراء!
الحملة المُتهكِّمة، التي لاقت رواجاً واسعاً على الشبكات الاجتماعية، جاءت عقب تصريحات سياسيين مغاربة وجدها المغاربة غريبة وغير منطقية ومدعاة للسخرية.
النائب البرلماني رئيس فريق حزب الاستقلال أكد أن «البرلمانيين الذين أُحيلوا إلى المعاش اضطروا إلى سحب أبنائهم من المدارس الخصوصية إلى العمومية»، مضيفاً أن «هناك من يشكو من الأمراض المزمنة ولم يجد التغطية الصحية»، وفق تعبيره.
تصريح آخر عجَّل بإخراج الحملة الساخرة الداعية للإبقاء على المعاشات؛ بسبب الوضعية الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي سيُعانيها البرلمانيون المتقاعدون؛ إذ قال القيادي بحزب العدالة والتنمية إن «برلمانيِّين وطنيِّين سابقين سيصبحون بوضعية صعبة في حال ما توقَّفت معاشاتهم».
والمغاربة يسخرون من برلمانيِّيهم
وبادر مواطنون إلى الإعلان عن جمع التَّبرعات لفائدة البرلمانيين بالشارع، في حين نظم بعض الشباب وقفة تضامنية مع «البرلمانيين الفقراء» أمام مبنى البرلمان وسط العاصمة الرباط، ووصلت الحملة إلى أوجها حين قام شباب بجمع تبرعات داخل حافلات النقل العمومي أو بأسواق شعبية، داعين بصوت مرتفع إلى مساعدة البرلمانيين.
وذهب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، من موظفين ورجال التعليم وممرضين، إلى الإعلان عن التبرع بجزء من أجورهم لفائدة البرلمانيين المتقاعدين على الرغم من الفوارق الشاسعة في الأجور، عامدين إلى تصوير مبالغ مالية ونشرها على صفحاتهم الخاصة، مرفوقة بجُمَل تدعو للتبرع.
ويتقاضى البرلمانيون أجراً شهرياً صافياً يبلغ نحو 3360 دولاراً أميركياً، في حين يتم تمرير مبلغ 2900 درهم (نحو 305 دولارات) للصندوق الوطني للتقاعد، وهو اقتطاع إجباري يتم من المنبع، وفق ما أكدته مصادر خاصة قالت ان فضلاً عن تعويضات التنقل والسفر خارج أرض الوطن والمهام الدبلوماسية، وبعضها يصل لتعويضات التسوق كذلك، في حين تتراوح أجور الموظفين المغاربة ما بين 320 و1260 دولاراً. ويقضي القانون «92-24» بإحداث معاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب، عبر تخصيص منحة مدى الحياة تُصرف بعد مغادرتهم البرلمان، تتراوح ما بين 526 و1580 دولاراً صافية ومعفاة من الضريبة، حيث يقتطع صندوق تقاعد البرلمانيين مبلغاً يناهز 305 دولارات شهرياً من أجرة النائب البرلماني التي تبلغ 3360 دولاراً، يضاف إليها مبلغ مماثل تضخه الدولة من ماليتها. ويضمن القانون المغربي للبرلماني بغرفتي النواب والمستشارين، معاشاً بقيمة 526 دولاراً أميركياً، إذا أكمل ولايته التشريعية المكونة من 5 سنوات، ما يُمكن من رفع المعاش شريطة عدم تجاوز 15 ألف درهم (ما يناهز 1580 دولاراً).
و ترى النائبة البرلمانية المُتقاعدة، أن ملف تقاعد البرلمانيين بمثابة شجرة تُخفي غابة كبيرة من الاختلالات التي تعرفها مؤسسات عمومية أخرى تتخبط في إشكالات مالية وإدارية تجعلها على حافة الانهيار، داعية إلى وضع حل جذري لملف تقاعد البرلمانيين؛ إسهاماً في محاربة كل أشكال الرِّيع وهدر المال العام، مع الاحتفاظ للمؤسسة التشريعية بالاحترام والتوقير.
وتساءلت المتحدثة قائلة «لماذا تم التَّغاضي عن الفساد وهدر المال من دون وجه حق والذي ظلت مؤسسة الصندوق المغربي للتقاعد تتخبط فيه عقوداً، رغم أن جهات عدة دقَّت ناقوس الخطر ونبهت إلى حجم الإفلاس والضرر الذي سينجم عن الاستهتار بالمطالب المتزايدة لإصلاح هذا الصندوق». أما عن الحملة الساخرة، فترى البرلمانية السابقة، التي كانت من بين برلمانيين قلَّة أعلنوا تخلِّيهم عن معاشاتهم وموقفهم الرافض للإبقاء عليها، أن الحملة كانت قاسية وتحمل الكثير من الإهانة للعمل الانتدابي وتقلل من شأن المنتخبين والمنتخبات. وأعربت المتحدثة عن أسفها للصورة النمطية المكرسة حول البرلمانيين المغاربة باعتبارهم انتهازيِّين ويطمحون إلى خدمة مصالحهم الخاصة دون ما سواها بعيداً عن الاهتمام بمشاكل المواطنين المغاربة وقضاياهم، لافتة إلى أن دوافع هذه الحملة غير البريئة ترمي إلى تبخيس صورة البرلمانيين الذين أتوا بأصوات نظيفة، مؤكدة أن هناك برلمانيين غيورين ولا يسعون للانتفاع.
