عز الدين السريفي، المسؤول عن النشر والاعداد
ليس غريبا أن جغرافيا الجزائر كانت تابعة في مراحل تاريخية مختلفة للإمبراطورية المغربية الشريفة.. ومن الثابت تاريخيا أن لفظة “الجزائر” لم تكن تعرف بها هذه المدينة قبل القرن 15م.. بل وإن هذا المصطلح كان يطلق على مناطق أخرى، ومنها “ميوركا” والتي كان يطلق عليها “الجزائر الشرقية”. وبالتالي فإن الجزائر كان توصيفا جغرافيا لبعض الجزر ولم يكن يُقصد بها كيان سياسي أو قانوني.
في هذا السياق، وقفنا على مرجع مهم للمؤرخ الهولندي Olfert Dapper في كتابه المهم “وصف إفريقيا”.. والذي نشر لأول مرة سنة 1668م. في هذا الكتاب يقدم المؤرخ وصفا لمدينة الجزائر تحت الحكم العثماني.. فيقول في ص 177 “قبل 160 سنة، لم يكن أحد في العالم يعلم أو يسمع بشيء اسمه الجزائر. ويرجع الفضل للمور الذين طردوا من إسبانيا خلال حملات 1567م و 1607م في التعريف وشهرة هذه المدينة”.
وبالعودة إلى شهادة المؤرخ العراقي عبد الرحمن علي الحجي.. والتي يقول فيها بأن مسلمو الأندلس هم المغاربة الذين استقروا في الأندلس، فإن من طردوا من إسبانيا هم بالضرورة مغاربة توجهوا إلى الجزائر.. لينجحوا في صناعة اسم هذه المدينة بعدما كانت نسياً منسيا.
هذا المعطى يحتاج إلى البحث حول هذه النقطة، والتي تشير إلى أن المغاربة قبل أن يكون لهم الفضل في دعم الأجير عبد القادر.. ودعم ما أطلق عليه بالثورة الجزائرية، كان لهم الفضل الكبير في تحويل الجزائر من جغرافيا مغمورة إلى مدينة لها اسم على خارطة الكيانات شمال إفريقيا.
ويبدو أن النظام الجزائري بقيادة تبون، أصبح ينفر من كل ما له علاقة بالمغرب، حتى لو كان صحيحا، حيث أن المنشور المذكور أعلاه، لم يجانب الصواب، فمدينة الجزائر كانت لقرون طويلة جزءا من المغرب والدول التي تعاقبت على حكمه، ولازالت العديد من الشواهد والآثار في المدينة تؤكد ذلك إلى غاية اليوم.
وبالعودة إلى صفحات التاريخ، فإن مدينة الجزائر ليست وحدها التي كانت تابعة للأنظمة الحكم التي كانت متواجدة في المغرب، بل هي الأقدم فقط، حيث بدأ انتمائها إلى المغرب مع تأسيس إدريس الأول للدولة الإدريسية في المغرب سنة 788 ميلادية، وكانت تلمسان من المناطق التي قررت مبايعة إدريس الأول والدخول في حكم دولته.
لكن، كما سبق الذكر، فإن تلمسان لم تكن من المدن الجزائرية الحالية وحدها تابعة للمغرب، بل مدينة الجزائر، التي تُعتبر هي عاصمة البلاد اليوم، بدورها كانت منطقة تابعة للدولة المرابطية التي تأسست على أنقاض الدولة الإدريسية في المغرب، وقد كانت جزءا من التراب المغربي سنة 1082 ميلادية، وقد استمرت مدينة الجزائر وكافة مناطق الشمال الجزائري والتونسي كمناطق تابعة للمرابطين ثم بعدهم الموحدين إلى غاية 1200 ميلادية.
ومع ضعف الموحدين وظهور الدولة المرينية، بدأ المغرب يفقد تدريجيا تبعية العديد من المناطق الجزائرية، إلا أن تلمسان ومناطق أخرى في الغرب ظلت جزءا من التراب المغربي، في فترات عديدة سواء مع المرينيين والوطاسيين والسعديين، قبل حقبة العثمانيين.
ومع بداية الاستعمار الفرنسي للجزائر، كان قادة تلمسان وأعيانها في اتصال مع السلطان المغربي ما بين 1834 و 1836، للمطالبة بحماية المغرب من الهجمات والاحتلال الفرنسي، وقد كان المغرب يمد المقاومة الجزائرية بالدعم المالي والعسكري في تلك الفترة، قبل معركة إيسلي سنة 1844 التي انهزم فيها الجيش المغربي أمام الفرنسي لتفرض فرنسا على المغرب عدم التدخل لدعم المقاومة الجزائرية.
التاريخ يؤكد أن أنظمة حكم مغربية كانت تدير وتحكم شؤون المغاربة والجزائريين لفترات طويلة جدا دون أي تفريق، وبالتالي فإن هناك تاريخ مشترك لازالت آثاره بادية إلى اليوم، ولعل الآثار المغربية التي لازالت موجودة في تلمسان أكثر الشاهدين، فلماذا يُنكر النظام الجزائري ذلك اليوم ويُعاقب كل ما يشير إليه؟