صدر للدكتور المصطفى بوجعبوط، مدير المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، مؤخرًا كتابهالثالث المعنون بـ ” سياسات العدالة الانتقالية في شمال أفريقيا:مظاهر تقليص مظالم السلطوية الـمُلبـرَلَة المغرب وتونس نموذجا”،الناشر: المركز المغربي للعدالة الانتقالية ودراسة التقارير الدولية، من ثاني إصداراته الورقية، فالكتاب يتكون من 360 صفحة وقسم الكتاب إلى فصلين، الأول يتعلق: الأنظمة القانونية والنوع الاجتماعي للجان الحقيقة: تونس والمغرب نموذجا. والتركيز على الخلفية التاريخية للانتهاكات. والثاني،يتعلق بالإفلات من العقاب وجبر الأضرار وجلسات الاستماع وحفظ الذاكرة ومقاربة الاصلاح والمصالحة في كل من المغرب وتونس والإشكاليات والتحديات المرتبطة بهما.
فالكتاب يعتبر قيمة مضافة للمكتبة العربية والمغربية والباحثين في مجال حقوق الإنسان على الخصوص،فقد اهتم بشكل دقيق لميلاد فترة الاستقلال في كلّ من تونس والمغرب وما ترتب عنها من تصفية إرث الاستعمار والصراعات حول السلطة السياسية بين مختلف المكونات السياسية الشيء الذي نتج عنه مجموعة من الاعتقالات السياسية والتعسفية إثر الثورة الفكرية والسياسية والمطالبةبسيادة القانون وبناء مجتمع سياسي متكامل عبر عقد اجتماعي جديد في إطار مذاهب متعددة، غير أن انفراد السلطات الحاكمة بصناعة منظومة قانونية أحادية وهيمنة الحزب الواحد (تونس) شكل صراعا طويلا حول التدبير التشاركي للسلطة السياسية في كلا النظامين السياسيين بغض النظر عن هامش الحرية والحقوق المتحكم فيها من خلال المنظومة الليبرالية (التعددية الحزبية، تمثيل المعارضة في البرلمان، نقابات، مجتمع مدني، صحافة…).
كما وقف المؤلف على محاولة معرفة حقيقة عنف الدولة التي تشكل أحد المداخل الأساسية في منظومة العدالة الانتقالية التي تقوم بها لجان الحقيقة الرسمية بشكل شامل حول الانتهاكات في الماضي، وما وقع من أخطاء وتجاوزات في شأن عنف الدكتاتورية، المتعاقبة على تونس ما بعد الاستعماروالتي فتح من خلالها نقاشا وحوارا واسعا لنهج منظومة العدالة الانتقالية من خلال ترسانة قانونية ومؤسساتية أدت إلى الاستماع للضحايا وما كابدوه من معاناة خلال تلك الحقبة الزمنية من السلطوية لتسهيل عملية المصالحة والتسامح ذلك نفسه حضيت به التجربة المغربية.
فالكاتب يعتبر أن موت الديكتاتورية أو السلطوية رهينبميلاد الديمقراطية، ويتساءل عن كيفية تفسير ظاهرة الانقلابات العسكرية التي تقوم بخلع النُّظم الديمقراطية؟ وهل الانتقال إلى الديمقراطية هو النموذج الأنسب للرقيّ الاجتماعيّ وضمان الحقوق والحريات؟ فقد ركز الباحث على نظامين سياسيين خرجا من ماض ثقيل من الانتهاكات محاولا مأسسة الانتقال الديمقراطي وخصوصا التجربة التونسية التي خاضت تجربة العدالة الانتقالية بعد ثورة “الربيع العربي”، وهي تجربة حديثة النشأة لم يتمّ تنزيل معظم توصيتها بعد. بينما تجربة العدالة الانتقالية المغربية عرفت تغييرات منذ فترة التسعينيات فهي نموذج قابل لقياس درجة التحوّل والانتقال بعد 16 سنة من إصدار التقرير الختامي لهيأة الإنصاف والمصالحة وخصوصا مدى تفاعل السلطات الحكومية مع تلك التوصيات على مستوى المؤسساتي والقانوني بعد دستور 2011 على عكس التجربة التونسية.
فالمؤلف رصد بشكل دقيق كرونولوجيا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في كلا من تونس والمغرب وأهم الأحداث والانتفاضات الاجتماعية وما ترتب عنها من اعتقالات سياسية واختفاء قسري والتعذيب والمعاملات اللاإنسانيةومحاكمة غير عادلة. وكيف ساهمت آليات العدالة الانتقالية في معالجة ماضي الانتهاكات وكما سلط الكاتب الضوء على التحديات التي واجهتها التجربتين سواء من خلال الأبحاث اللجنتين أو علاقتها مع السلطات السياسية.
ويؤكد الباحث المغربي بوجعبوط على أنه بالرغم من السلطويات الملُبرلة، فإن مداخلها نحو الانتقال من ماضي ممزق وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان التـي كلفت خسائر بشرية وإنسانية في ظل استمرار صراعات ونزاعات طويلة الأمد، كان لها نتائج وخيمة على مستوى المحلي والدولي للدول ولإنسانية الإنسان، فقد إستطاعت أن تبلور مشروع مجتمعي يهدف إلى الاستقرار وتأسيس الوحدة الوطنية باضمحلال الأنظمة السلطوية أو الديكتاتورية وترسيخ قيم التسامح والتضامن عبر آليات العدالة الانتقالية كسياسات جديدة للانتقالات الديمقراطية.