لما كانت بلاد المغرب عصية على الغزاة على مر التاريخ ، عمل العثمانيون على كسب سلاطين الوطاسيين ، فحافظوا معهم على علاقات ودية وجيدة ، حيث ساعد الوطاسيون العثمانيين على غزو الزيانيين في تلمسان ، بينما ظل كثير من الإنكشاريين تحت تصرف الوطاسيين في فاس ، ثم تدهورت العلاقة بينهم لفترة زمنية ، ثم عاد العثمانيين لدعم الوطاسيين عام 1545 م بعد توغل السعديين في الأراضي الوطاسية .
بعد بعد غزو الأشراف السعديين لعاصمة الوطاسيين فاس ، منح العثمانيون اللجوء السياسي لحليفهم أبو حسون الوطاسي عام 1549 ، و عقدوا إتفاقا مع الشرفاء السعديين ينص على تقاسم أراضي مملكة تلمسان السابقة ، بحيث يحتفظ المغاربة بتلمسان ، وتبقى وهران تحت سلطة العثمانيين ، لكن الإتفاق فشل بعد دعم العثمانيون مؤامرات قادة إمارة دبدو الذين كانوا في حلف مع الوطاسيين .
لهذا تخوف السعديون من العثمانيين و تآمرهم ، فشنوا ضربة استباقية على الوجود التركي في الغرب ، ساهمت في غزوهم لتلمسان عام 1550 ، ثم تراجعوا بعد غارات بني أمير – حلفاء الإسبان في وهران – عليهم ، واستمرت المعارك بوادي الشلف ، ثم طارد العثمانيون السعديين ، واحتلوا فاس عام 1553 ، و أعادوا أبا حسون الوطاسي إلى الحكم ، الذي قام بمبايعة الخليفة العثماني و صدر الخطبة باسمه ، بعدها شن السعديون هجوما كاسحا على الوطاسيين والعثمانيين ، فاستعادوا فاس عام 1554 .
بعد رفض محمد الشيخ مبايعة السلطان العثماني سليمان القانوني أميرا للمؤمنين في يونيو 1557 ، دبر العثمانيون مؤامرة اغتيال محمد الشيخ في أكتوبر 1557 على يد أفراد أتراك من حراسه، الذين دخلوا خدمته مدعين أنهم من الفارين من الجيش العثماني، فقطعوا رأسه و اقتادوها لإستطنبول .
ولقد حفظ لنا التاريخ ، أن السلطان السعدي المغربي محمد الشيخ أطلق على السلطان العثماني سليمان القانوني لقب “سلطان الحواتة” أي “سلطان قوارب الصيد” بعد رفضه مبايعة هذا السفاح ، الذي استشاط غضبا من ذلك ، يقول المؤرخ الأكاديمي إبراهيم حركات – رحمه الله – في كتابه ” المغرب عبر التاريخ [ م2 ص 281 ] :
{ لم يفكر محمد الشيخ يوما في الإعتراف ولو رمزيا بالسيادة العثمانية على المغرب ، وكان يدعوا السلطان سليمان العثماني الملقب بالقانون ( 1566- 1520 ) بسلطان الحواتة ، لأن البواخر العثمانية كانت تجوب بكثرة عرض البحر المتوسط ، ولما تم لمحمد الشيخ الإستيلاء على فاس والقضاء على الدولة الوطاسية ، بعث إليه سليمان القانوني بسفارة وخطاب يدعوه فيه إلى الدعاء له على منابر المغرب ، واستقبل محمد المهدي هذا الوفد ، وما كاد يعلم فحوى الخطاب حتى بادر إلى السفير العثماني قائلا :《 قل لسلطان الحواتة : لا أجيبه حتى أكون بمصر إن شاء الله 》 }.
و يقول شيخ المؤرخين المغاربة و الديبلوماسي الأسبق والمستشار الملكي د .عبد الهادي التازي – رحمه الله – في موسوعته “التاريخ الديبلوماسي للمغرب” [ م8 ص 33] ،
في معرض حديثه عن واقعة اغتيال السلطان العثماني سليمان القانوني لسلطان المغرب الشريف محمد الشيخ – رحمه الله -، وتعليق رأسه في باب من أبواب العاصمة إسطنبول :
{ فلأول مرة في التاريخ سمعنا عن جثة وعن رأس يحمل في مخلاة ويجعل داخل شبكة من نحاس ويعلق فوق قلعة بإسطانبول ، لقد كانت الحادثة طليعة شؤم في العلاقات المغربية التركية .
وهكذا يظهر مرة أخرى أن ” الخلفية الدينية ” لم تكن وحدها دافع الحركات العثمانية في الشمال الأفريقي ، ولكنها الرغبة في السطو والتوسع ، و إلا بماذا نفسر كل تلك الإستعدادات لمداهمة مملكة فاس في حين كانت فيه وهران تعاني من الإحتلال الإسباني ؟} .
بعد سرد هذه الأحداث الموجزة ، فسنرد على التهم الموجهة للسعديين وخليفتهم محمد الشيخ بالصليبية والعمالة للمحتلين الأجانب :
1- في عهده تحررت سواحل سوس وما جاورها من الإحتلال البرتغالي ، لما كان ينظم مقاومة أخيه أحمد الأعرج ، و خرج الإيبيريون من أصيلة و القصر الصغير بمجرد إستيلائه على مدينة فاس .
2- ذكر العلامة المؤرخ أحمد الناصري في كتابه “الأستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ” في الجزء الخامس ، بأنه كان يتميز بالشجاعة و الهيبة و منصورا بالرعب .
3- في الصفحة 76 من كتاب ” المغرب في عهد الدولة السعدية ” ، و ” التاريخ الديبلوماسي للمغرب / الجزء الثامن ص 15 و 15 ” ، و ” السلطان الشريف ص 36 و 37 ” ، نجد أن السلطان محمد الشيخ مد يد التعاون مع العثمانيين ، وسعى بجدية لعقد حلف معهم من أجل تحرير الثغور في الإيالة الجزائرية و المملكة المغربية من يد الإيبيريين ، وهذا باعتراف حاكم وهران الإسباني آنذاك الذي كتب إلى قيادته في إسبانيا ، يحذرها من كتابة محمد الشيخ إلى باشا الجزائر التركي سفارة محملة بهدايا ، يؤكد فيها حسن نيته و سعيه لضرب الثغور الإسبانية في الإيالة الجزائرية و المملكة السعدية المغربية ، لكن لم يلقى طلبه موافقة عثمانية بعد ذلك ، مما يؤكد على سعي العثمانيين للسيطرة على المغرب ، وجعلهم ذلك هدفهم الأول ، بدلا من استرداد الثغور المحتلة من الصليبيين ، ومع احتلال العثمانيين لوجدة لمحاصرة الزيانيين في تلمسان ، و سعيهم لجعلها قاعدة لغزو المغرب ، دفع محمد الشيخ أن يعدل عن تعاونه مع العثمانيين الذين أبدوا عدم حسن النية تجاه السعديين .
4- فمد يد العون لأميرها مملكة تلمسان أحمد الزياني ، وقرر السيطرة على تلمسان لوقف الزحف العثماني بعد أن استقبل أميرها ،و إرسال سكانها الأندلسييين و الأشراف وفدا إليه لمبايعته ، و سعيهم لمساعدته على دخول المدينة و الدفاع عنها .
5 – في أوج الصراع الوطاسي السعدي ، عقد الطرفان معا هدنة مؤقتة مع البرتغاليين لأجل ضبط الأوضاع الداخلية كما يؤكد صاحب كتاب ” المغرب في عهد الدولة السعدية ” ، وهو الذي انتهى بسيطرة السعديين على الحكم ، ثم عقد السعديون هدنة مع الإيبيريين لمواجهة الطموحات العثمانية و التصدي لها .
6- أكدت مصار تاريخية إيبيرية، أن الإسبان تخوفوا من استعادة محمد الشيخ لملحمة الأندلس مع تواجد المورسكيين بها وتوسعه السريع في المنطقة ، كما بين د.محمد ملين في الصفحة 35 و 36 من كتابه ” السلطان الشريف ” ، واستغل محمد الشيخ هذا التخوف ، وهدد الإسبان من منطلق القوة بالتوحد مع العثمانيين – رغم تيقنه من سوء نيتهم – لاستعادة الأندلس ، إن قاموا بخطوة للتوغل نحو البلاد المغربية من بعض السواحل المحتلة ، وهدفه من ذلك هو المحافظة على استقلال المغرب .
7- لم يثبت تاريخيا عمل السعديين بعمل أي هجوم عسكري ضد العثمانيين بمساعدة الإيبيريين ، والإسبان كانوا السباقين لعقد هدنة مع الشريف محمد الشيخ .
8 – الهدنة ذكرها صاحب كتاب ” التاريخ الديبلوماسي للمغرب ” في المجلد الثامن ،حيث ابتز محمد الشيخ الإسبان وجعلهم يمدونه ب 12 الف من المشاة تحت إمرته ، مقابل عدم تحالفه مع العثمانيين ، وكل هذا لتثبيت أركان حكمه و حماية بلاده من الأطماع الإيبيرية و العثمانية .
9- إن أطماع العثمانيين باحتلال المغرب المنهك آنذاك هو من أوقف الجهاد نحو الأندلس ، بعد رفضهم لاقتراح محمد الشيخ ودخولهم لفاس ، مما دفع الأخير لاستخدام الدهاء السياسي وتحقيق التوازن الدولي للحفاظ على استقلال دولته