بقلم : يونس التايب
من دون شك، تتبع الشأن العام واجب، و انتقاد الفساد مسؤولية وطنية، والمطالبة بتصحيح الاختلالات المعروفة في عدد من القطاعات ضروري. لكن المسؤولية تقتضي منا جميعا التدقيق في ما نكتبه و ما نقوله و نروجه، وعدم السقوط في فخ تضخيم الأمور ب “الهضرة الكبيرة” التي لا تمت للحقيقة بصلة …
علينا، ونحن نتفاعل مع واقعنا، أن نستحضر أن هنالك في بلد نعرفه، من يمارسون “الإعلام بمنطق الضباع” و يشتغلون على استدامة الفتنة وحرب التحريض والبروباجندا ضد المغرب. و هنالك ثكنة عسكرية تسمى “ثكنة بن عكنون”، يعمل فيها فريق مكون من 3000 عنصر عسكري استخباراتي، مهمتهم الوحيدة هي رصد ما يكتبه المؤثرون و ما يعلق به المواطنون المغاربة، و تتبع تصريحات الإعلاميين والسياسيين، بغرض استغلال أي موضوع في عملية ترويج إلكتروني على نطاق واسع، عبر حسابات وهمية ولوغاريتمات معلوماتية خاصة، تجعل مواد تافهة تنتشر لتحدث أثرها المسيء للبلد الذي يراد النيل من صورته و سمعة مؤسساته. لذلك، لا معنى في أن نكون حطبا لنيران يشعلها المتربصون ببلادنا، لتأكلنا وتنال من مصالح وطننا ومواطنينا.
للأسف، في هذا السياق صادفت فيديو يشكل مثالا حيا لعبث التعاطي مع مشاكل عادية يمكن أن تحدث في كل بلدان العالم، بشكل غير موضوعي. الفيديو تم بثه في حدود الساعة الواحدة صباحا من هذه الليلة، (كأننا بصدد حالة استعجالية أو كارثة هجوم على التراب الوطني)، من طرف مؤثر مشهور بانتقاده المستمر لكل شيء في هذا الوطن، دخل على خط شنآن وقع بين خمسة أساتذة مغاربة وطاقم طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية، باستعمال لغة فيها من التضخيم و المغالاة ما يوصلنا كالعادة، في النهاية، إلى إظهار بلادنا بشكل مسيء.
أردت، هنا، التفاعل حول الحادث لسببين اثنين هما :
أولا، لأن الحادث قد يتكرر، و يتعين أن نرفع الوعي بالقواعد القانونية التي تضبط السفر بالطيران، لأن تجاوزها فيه خطر الوقوع في مخالفات تتعاطى معها سلطات الطيران بصرامة، وفي بعض الدول يصل الأمر حد التحقيق المعمق من طرف مصالح الأمن، قبل طي الملف إذا تبين أن الأمور عادية ؛
ثانيا، لأن الحادث يرتبط بطائرة للخطوط الملكية المغربية، و قد انطلق البعض في حملة تشويه بناء على رواية طرف واحد هم الأساتذة المتضررين مما وقع. وبتعين تصحيح الصورة حتى لا تتم الإساءة لشركة مغربية لها حضور محترم في القارة الإفريقية، ولو أن البعض لهم استعداد مبدئي لتسفيه كل شيء يرتبط بهذه البلاد، و منح هدايا مجانية لمن يتربصون بنا وبمصالح وطننا.
في رأيي، بشكل مبدئي كل التقدير للأساتذة الخمسة الذين تعرضوا لحادث نتج عن شنآن حول تغيير الأساتذة لمقاعدهم قبل إقلاع الطائرة. إلى حدود الساعة، وصلتنا فقط رواية طرف واحد، و القصة قد تكون فيها تفاصيل وجزئيات لم يتحدث عنها من قدموا روايتهم بالشكل الذي أشرت إليه. طبعا، الانتقاد متاح لكنه لا يكون موضوعيا إلا بعد اكتمال كل المعطيات.
ما لا يعرفه كثير من الناس هو أن تغيير المقعد قبل إقلاع الطائرة يعتبر في عدد من الدول، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، فعلا ممنوعا لأن فيه شبهة أمنية شديدة الخطورة قد تستدعي تدخل الأمن. و في الحالة التي بين أيدينا، كان ممكنا أن لا يتطور الشنآن بشكل سلبي لو انتصرت الحكمة و الهدوء، عوض الانفعال و الحمية، وكان على الأساتذة المعنيين أن لا يغيروا أماكنهم إلا بعد إقلاع الطائرة، و بعد طلب إذن من طاقمها. وبعد نشوء سوء التفاهم بينهم و بين طاقم الطائرة، كان عليهم الاعتذار والعودة للمقاعد التي في التذاكر، دون كثرة الهضرة.
ذلك السلوك الإيجابي كان، ربما، سينهي الموضوع و يجنبهم ما وقع. و بصراحة، أتسائل لماذا لم يتم ذلك. ما أعرفه عن الأساتذة المحترمين أنهم لا يبادرون إلى سلوكات ارتجالية، وإذا فعلوا ذلك و تبين لهم وقوعهم في الخطأ، يعتذرون و يعودون عن فعلهم، و ليس يزايدون، حتى لو كان بينهم عميد وفاعلون سياسيون.
بالتأكيد، كما نطالب الناقل الوطني “لارام RAM” بتجويد خدماته و ضبط أثمان التذاكر لتشجيع المغاربة على السفر، علينا أن ندافع عن تلك الشركة، أو على الأقل أن لا نسيء إلى صورتها، و لا نؤثر في تنافسيتها التجارية عبر ترويج قصص لم تحدث بالضرورة بالسيناريو الذي تم نقله في الخبر. علينا أن نلتزم بذلك السلوك ليس لأن لنا أسهم في الشركة، بل لأنها شركة يشتغل فيها مغاربة و تساهم في الاقتصاد الوطني بشكل إيجابي … !!!!
الشركة ليست مقدسة، والعاملون فيها قد يسقطون في أخطاء مهنية أو تواصلية، و يتعين تعميم توضيح بشأنها لتتضح الصورة. أما استغلال الحادث من طرف اليوتوبور (ح.م) المتخصص في جلد الذات المؤسساتية المغربية، فهو لم يكن موفقا لعدة أسباب:
– أولا، الأساتذة الجامعيين، كغيرهم من أبناء الوطن، لهم الاحترام والتقدير الواجب في حدود القانون و السلوك المواطن؛
– ثانيا، مسألة القيمة الاعتبارية، تكتسب بالتحلي بأعلى درجات الرزانة و الحكمة و الابتعاد عن السجالات التي يستيقظ لها، في جوف الليل، من ينفخ في كل خلل و يعيش بترويج خطابات شعبوية و مزايدات لا سقف لها.