موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي تلك التي خلفتها تصريحات الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أمام ملوك ورؤساء الدول والحكومات الحاضرين خلال المناقشة العامة في الدورة الثامنة والسبعين من الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، حيث قال إن بلاده “تبنت خطة التنمية المستدامة وأدرجتها كأولوية وطنية ضمن كل الإستراتيجيات والبرامج المخططة الحكومية، ما مكن ذلك قطع أشواط مهمة وتحقيق نتائج معتبرة في مسار أهداف التنمية المستدامة، لاسيما في قطاعات التربية والصحة والبناء والكهرباء والمياه”.
الرئيس الجزائري، الذي وجه كل تركيزه إلى الأوراق التي كان يقرأ منها حين تحدث عن قضية الصحراء المغربية، ما إن وصل إلى نقطة استعراض المنجزات الجزائرية في علاقتها بأهداف التنمية المستدامة حتى حاول الارتجال والتخلص من الورقة التي تلازمه، مُصرحا بأن “الجزائر انطلقت ببرنامج تحلية مياه البحر، وسنصل مع نهاية سنة 2024 إلى إنتاج مليار و300 مليون متر مكعب يوميا”، على حد تعبيره.
رقم وصفه رواد مواقع التواصل الاجتماعي بـ”الخيالي”، متهمين الرئيس الجزائري تهكما بـ”محاولة تجفيف البحر الأبيض المتوسط”؛ فيما اعتبر خبراء أن هذا الرقم لا يستند إلى أي أساس واقعي وموضوعي، بالنظر إلى مجموعة من الاعتبارات، بينما شدد آخرون على أن “تبون أبان عن ضعف ثقافته السياسية العامة وأضر بصورة دولته بهكذا تصريحات”.
رقم مستحيل وإمكانيات محدودة
عبر الرحيم الهندوف، خبير في السياسات المائية، قال إن “الرقم الذي ذكره الرئيس الجزائري مستحيل، سواء تعلق الأمر بالمياه الشروب أو المياه الموجهة للسقي”، مشيرا إلى أن “متر مكعب واحد من المياه قادر على تلبية الاحتياجات اليومية لعشرة أشخاص، وبالتالي فإن هذا الرقم المزمع سيلبي على هذا النحو احتياجات الملايير من الأشخاص، بما يفوق عدد سكان الكرة الأرضية بكثير”.
وأوضح الهندوف، في تصريح صحفي، أن “إنتاج مليار و300 مليون متر مكعب يوميا يعني منطقيا إنتاج أكثر من 475 مليار متر مكعب على أساس سنوي، وهو رقم فلكي وخيالي”، مسجلا أن “الإنتاج العالمي من تحلية مياه البحر لا يتجاوز 100 مليار متر مكعب في السنة”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “تحلية متر مكعب واحد من مياه البحر يكلف تقريبا ما يعادل دولارا واحد، وعليه فإن تصفية الرقم المعلن سيكلف 1,3 مليار دولار يوميا، أي إن التكلفة السنوية لهذا البرنامج ستبلغ حوالي 475 مليار دولار سنويا، وهو ما يفوق بحوالي ثلاث مرات الناتج المحلي الإجمالي للجزائر”، متسائلا: “من أين ستأتي الجزائر بكل هذه الأموال؟”.
ثقافة غائبة وخطأ متكرر
من جهته أورد وليد كبير، صحافي جزائري معارض، أن “تصريحات تبون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تؤكد أن الرجل لا يمتلك ثقافة عامة ولا ثقافة سياسية لمقاربة مواضيع بهذا الحجم، كما تؤكد أن الفريق الذي يشتغل مع الرئيس الجزائري ضعيف جدا في هذا الإطار، خاصة أن الخطأ كرره للمرة الثانية تواليا، إذ سبق أن صرح في شهر غشت الماضي خلال لقاء صحافي بأن الجزائر ستنتج 1.4 مليار متر مكعب يوميا، في حين أن الإنتاج العالمي لا يتجاوز 96 مليون متر مكعب يوميا”.
وأضاف كبير في تصريح صحفي، أن “خطابات رؤساء الدول والحكومات، خاصة في المحافل والاجتماعات الدولية، تستوجب الدقة والتدقيق في كل حرف وكلمة وحركة؛ ذلك أن هذه الخطابات تعكس صورة الدولة وصورة نخبها السياسية أمام المنتظم الدولي”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “هذه السقطة إضافة إلى سقطات أخرى تشير إلى الرئيس الحالي للجزائر تجاوزه الزمن وغير متمكن من ميكانيزمات الخطاب السياسي، ومن المعطيات الدقيقة المتعلقة بالمشاريع الاقتصادية التي يعلن عنها”، مشيرا إلى أن “مستوى خطاب عبد المجيد تبون كرئيس للجزائر إنما يعكس مستوى النخب السياسية التي تحكم البلاد، المفتقدة للفكر الإستراتيجي والاقتصادي القائم على معطيات دقيقة وموضوعية”.