عزالدين السريفي ، رئيس التحرير والاعداد
لا أحد يستبشر بحملات تحرير الملك العمومي أكثر من سكان المدن الصغرى على غرار مدينة تيفلت و الخميسات. الساكنة ينظرون هذه الأيام بعين الرضا إلى الحملة التي أطلقتها السلطات المحلية من أجل تحرير مساحات واسعة من الملك العمومي تعرّضت للاحتلال بالأسواق العشوائية و”الفراشات” والدكاكين الصفيحية بشكل أثر على حركة السير والجولان وحوّل شوارع المدينتين إلى فوضى عمرانية وحضرية وضرب جماليتها في مقتل. لم يعد ساكنة تيفلت و الخميسات قادرين على التنقل مشيا على الأقدام أو بالسيارات باطمئنان وأمان وسرعة بسبب هذا الركام الهائل من الفوضى المفتوحة التي تحولت بمرور الوقت إلى أمر واقع يعجز عن التعامل معه أكثر المسؤولين كفاءة.
يبدو أن عامل اقليم الخميسات السيد منصور قرطاح واعٍ تماما بمعاناة ساكنة المدينتين مع ظاهرة احتلال الملك العمومي، وقرر بجرأة كبيرة أن يطلق حملة شاملة على هذه الفوضى في مختلف المقاطعات. وهو يدرك تمام الإدراك أن هذه المهمة ليست سهلة أبدا وأنها معضلة اجتماعية وعمرانية واقتصادية حقيقية بالنظر إلى أنها تخفي وراءها اقتصادا واسعا غير مهيكل يشغّل عشرات الآلاف إن لم نقل مئات الآلاف من الزموريين، ويدرّ مليارات الدراهم التي تذهب في الغالب في مسارات إنفاق غامضة بعيدة عن المسارات الاقتصادية المنتجة، ولا تستفيد منها خزينة الدولة أو موارد السلطات العمومية فلسا واحدا.
ليست هذه هي الحملة الأولى التي تشهدها المدينتين. لقد سبقتها حملات أخرى لا تقل اتساعا وتأثيرا، كان أشهرها تلك التي أطلقها سنة 2001، وبدأت حينها باستهداف المقاهي التي تستغل الأرصفة دون ترخيص قانوني. لكننا نذكر جميعا أن هذه الحملة لم تستمر طويلا، آفة هذه الحملات إذاً أنها موسمية ومؤقتة وسرعان ما يخبو حماسها وتنطفئ جرأتها بمجرد زيادة الاحتجاجات أو تصاعد الاحتقان الاجتماعي أو تدخل أصحاب المصالح بضغوطهم وتأثيراتهم الخارجية. و الزموريين يأملون ألّا تكون حملة عامل الاقليم من نفس الطينة.
هذه الحملة لا ينبغي لها أن تكون موسمية لأن الخميسات و تيفلت لم تعد تتحمل أبدا حالة الفوضى التي تعيش فيها على مستوى تهيئة المجالات العمومية وتهيئة المرافق الحضرية. تيفلت مدينة تتطور عمرانيا وماليا لكنها لا تواكب ذلك بالتطور العمراني والحضري اللازم. المفارقات الصارخة التي نراها في شوارعنا أكبر دليل على ذلك ببن عربات الخضروات والفواكه المجرورة بالدواب والحمير. لكن هل الحملة ضد احتلال الملك العمومي يمكن أن تنجح إذا اقتصرت فقط على اجتثاث المحتلين من مواقعهم؟ هناك بعد اجتماعي عميق يقف وراء هذه الظاهرة ولا بد من البحث عن حلول جذرية للتعامل معه.
الأسواق النموذجية مثال لهذه الحلول التي يمكنها أن تعالج هذه المعضلة، لكن هذا الحل يواجه تحديات وصعوبات بالغة من أهمها البطالة. تخصيص مناطق مفتوحة لأصحاب العربات و”الفراشات” يمكن أن يمثل حلا لتجاوز هذه المعضلة، لكن أين هي هذه المساحات المتاحة لاحتضان أنشطة تجارية من هذه النوعية؟ هناك إذاً معوقات بنيوية من الصعب على أي إرادة طموحة تجاوزها بسهولة لتحرير الملك العمومي. ومن المؤكد أن التعويل على المقاربة الردعية والأمنية وحدها لن يؤدي بالضرورة إلى حل المشكلة لأن معالجة التراكمات الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها.