عز الدين السريفي
أحيط استقبال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة لوفد جنوب إفريقي برئاسة نائب رئيس لجنة العلاقات الدولية بالمؤتمر الوطني الإفريقي، أوبيد بابيلا الوزير المنتدب المكلف بالمقاولات العمومية والعضو باللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الإفريقي، بتغطية إعلامية خاصة بعدما ذكر نائب رئيس لجنة العلاقات الدولية بالحزب الحاكم بجنوب افريقيا بالدعم الذي قدمه المغرب لنضال جنوب إفريقيا من أجل نيل الاستقلال، وأن المملكة كانت من بين الدول الأولى التي زارها زعيم جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا سنة 1994 بعد استقلال بلاده من أجل التعبير عن شكره للشعب المغربي لمساهمته في تحرير جنوب إفريقيا. ليتم التساؤل حول ما إذا كان هذا التصريح مؤشرا عن إمكانية تغيير جنوب افريقيا لموقفها من قضية الصحراء وفك ارتباطه مع الموقف المساند للطروحات الجزائرية .
– الحمولة التاريخية للعلاقات الثنائية
من الملفت للنظر أن الحمولة التاريخية لعلاقات المغرب مع كل من الجزائر وجنوب افريقيا تتشابه إلى حد كبير .فكلا الدولتين مع فارق في الزمن قدمت لهما المملكة دعما عسكريا وسياسيا في نضالهما من أجل تحررهما السياسي : الأولى من ربقة المستعمر الفرنسي والثانية من سيطرة نظام عنصري . لكن بالمقابل فكلا الدولتين تحالفتا ضد قضية المغرب الوطنية . بل تحولت المملكة في عقيدة النظام الجزائري إلى عدو مركزي في عقيدته العسكرية ، و خصم سياسي في العقيدة الدبلوماسية للثانية . وإذا كانت العقدة التاريخية والخلاف الايديولوجي بالإضافة إلى مشكل الصحراء يمكن أن يفسر إلى حدما عوامل التوتر السياسي بين المغرب والجزائر كبلدين جارين تحركهما نزعة التنافس الإقليمي بشمال افريقيا ، فإن نفس النزعة تحرك عوامل الخلاف بين المملكة و جنوب افريقيا بحكم تموقع كل منهما في شمال وجنوب القارة الافريقية التي تحولت في ظل التحولات الجيوستراتيجية الحالية إلى مجال للتنافس بين القوى الدولية ( وبالأخص الولايات المتحدة والصين وروسيا ) وبين القوات الإقليمية ( تركيا ، الامارات ، ألمانيا ، بريطانيا …) . ولعل ما زاد من احتدام هذا “التنافس الإقليمي المتباعد” بين هذين البلدين الافريقين بعض الأخطاء السياسية التي وقعت فيها الدبلوماسية المغربية ، كعدم الاستثمار السياسي رئاسة مانديلا لدولة جنوب إفريقيا بحكم العلاقات التي كانت تجمع بين هذا الزعيم الإفريقي والمغرب ، وكذا دخول المملكة في مزاحمة هذا البلد على تنظيم كأس العالم لسنة 2010 ، وعدم انتقاء الطاقم الدبلوماسي الملائم لاجتذاب ود هذه الدولة للتموقع داخل هذه المنطقة بكل ما تمثله هذه الدولة من ثقل استراتيجي و سياسي في القارة الإفريقية. خاصة وأن فترة تغيب المملكة دبلوماسيا وسياسيا عن القارة بعد انسحابها من منظمة الوحدة الافريقية قد ترك المجال فسيحا لتأثير الدبلوماسية الجزائرية على الدول الافريقية الانجلوافريقية كنيجيريا وكينيا وجنوب افريقيا وإقناعها بطروحاتها الانفصالية المغلفة بالدفاع عن مبدأ تقرير المصير . وبالتالي فعلى الرغم مما صرح به المسؤول الجنوب افريقي حول الحمولة التاريخية للعلاقات التي جمعت البلدين ، فإن هذا لن يساهم في التخفيف من حدة الخلاف السياسي بين البلدين . ولعل هذا ما توقعته ورقة سياسية حديثة صادرة عن مركز “أنترجيونال للتحليلات الاستراتيجية” حول إمكانية تصاعد وتيرة التباعد في وجهات النظر السياسة بين البلدين في السنوات المقبلة بشأن إدارة عدد من الملفات السياسية؛ أبرزها ملف الصحراء المغربية الشيء الذي ينعكس من خلال عدم الإسراع بتعيين سفير للمملكة لبرتوريا بعد تعيين السفير السابق يوسف العمراني بواشنطن. كما خلصت الوثيقة إلى أنه “على الرغم من الصلات التاريخية التي ربطت جنوب أفريقيا بالمغرب بفعل تقديم الأخيرة الدعم المالي والعسكري لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في كفاحه المسلح ضد نظام الفصل العنصري “الأبارتهايد” الذي سقط في عام 1991؛ فإن الصلات المعاصرة بين الجانبين تأثرت بشدة بموقف جنوب إفريقيا الداعم لجبهة البوليساريو بشأن تقرير مصير الصحراء بعيدا عن السيادة المغربية”، مسجلة أن “الرباط ترى في هذا الأمر مساسا مباشرا بوحدة وسلامة أراضيها. وبالتالي فقد ألقى هذا الموضوع، في كثير من الأحيان، بظلاله السلبية على مسار تطور ومضامين التفاعلات الثنائية القائمة على التنسيق والتعاون المشترك خلال السنوات الأخيرة والتي تمثلت مؤخرا في الأزمة التي تفجرت على خلفية قمة “البريكس” التي استضافتها جنوب إفريقيا والتي حضرها زعيم البوليساريو، ونفي المغرب تقديمه لأي طلب للانضمام إلى هذا التكتل الاقتصادي، بالإضافة إلى “التأثير المعاكس للتنسيق بين الجزائر وبريتوريا” والذي أسهم بدوره وبشكل كبير في تفاقهم الخلافات المغربية الجنوب-إفريقية. لكن ، وهذه مفارقة ، فهذا المعطى هو الذي يدفع البلدين إلى تجنب تأثير هذا الخلاف السياسي على علاقاتهما الاقتصادية من خلال تبني البلدين نهج برجماتي في تدبير هذه العلاقات .
برجماتية العلاقات الاقتصادية الثنائية –
أدركت الدبلوماسية المغربية بأنه من الجوهري لأية دبلوماسية ناجعة ألا تربط السياسة الخارجية للمملكة بمشكل الصحراء. فمشكل الصحراء وإن كان يشكل أولوية بالنسبة للمغاربة على الصعيد الداخلي وكذا في مواجهة بعض الشركاء خاصة الاوربيين بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ، إلا أنه في مواجهة الدول خاصة الإفريقية ينبغي تحديد التعامل معها وفق عدة مقاربات ومداخل تهم الجانب الاقتصادي الذي أصبح ذا أهمية كبرى في تقريب الرؤى وتقارب المصالح، والجانب الأمني الذي لا يقل أهمية ، بالإضافة إلى الجوانب السياسية والدينية وغيرها . فمشكل الصحراء لا ينبغي أن يشكل دائما العين الوحيدة التي ينبغي أن يقيم بها صانع الدبلوماسية الأمور مع هذه الدول . إذ يمكن للمغرب أن يتعامل مع كافة الدول الافريقية رغم موقفها من مشكل الصحراء . ولعل استقبال الملك لرئيس رواندا ، والزيارة التي قام بها مسؤولون لإثيوبيا مؤخرا على الرغم من اعتراف هذه الأخيرة بجمهورية البوليزاريو شكل أسلوبا ومنهجا جديدا للمقاربة الدبلوماسية التي أصبحت تتبنى في تحركاتها الإفريقية مبدأ المردودية والفعالية وتنوع المصالح . كما لا ننسى بأن المغرب يتبنى موقفا مرنا من موريتانيا رغم أن هذه الأخيرة ما زالت تعترف بكيان البوليزاريو حيث يكثف تعاونه الثنائي على مختلف الأصعدة التجارية والاقتصادية والاستثمارية في طموح لتغليب المصالح المشتركة بين البلدين وإبقائها على الحياد الإيجابي في علاقاتها بينه وبين الجزائر في الوقت الذي تبنى فيه موقفا صارما من تونس على خلفية استقبال رئيس هذه الأخيرة لزعيم الانفصاليين خلال قمة “تيكاد” التي انعقدت في تونس أواخر غشت من العام 2022. و بالتالي ، فعلى الرغم من الاختلافات السياسية العميقة مع نظام بريتوريا، وخاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، يحاول المغرب وجنوب إفريقيا المضي قدما إلى الأمام فيما يخص التعاون الاقتصادي. إذ تعد جنوب إفريقيا من أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للمغرب في القارة الإفريقية حيث بلغ إجمالي حجم التجارة بين البلدين أكثر من 634 مليون دولار في سنة 2022. كما ترى جنوب افريقيا أن المغرب يعتبر اليوم منافسها الأول في القارة الافريقية في الجانب الاقتصادي، خاصة بعد أن أزاحها لأول مرة عن تصنيف أكثر مصدري السيارات . من هنا، يمكن فهم دعوة بابيلا، في تصريح للصحافة الوطنية عقب مباحثاته مع بوريطة، إلى ضرورة تكثيف العلاقات الاقتصادية والتجارية بين بلاده والمغرب وحث المقاولات المغربية على الاستثمار في جنوب إفريقيا على غرار العديد من الشركات الجنوب إفريقية التي تتواجد في المغرب . إذ أن هناك قسم من النخبة الحاكمة بجنوب إفريقيا ، خاصة بعد الانتخابات التشريعية ، أصبح مقتنعا بضرورة التركيز على هذا الجانب الاقتصادي والاستثماري بين البلدين إدراكا منه بأن المملكة تتوفر على فرص اقتصادية كبرى يمكن للشركات الجنوب افريقية الاستفادة منها . وبالتالي فلا ينبغي أن تشكل الخلافات السياسية بين الدولتين عائقا أمام تطور باقي علاقاتهما التي يمكن أن تعود بالنفع على الجانبين، ولاسيما ما يتعلق منها بالعلاقات على الصعيدين الاقتصادي والتجاري الشيء الذي يتناقض مع جمود المنظور السياسي للنخبة الحاكمة في الجزائر التي ما زالت في علاقتها مع المغرب متقوقعة على دوغمائية إيديولوجية متكلسة وروح عدائية متعصبة. وبالتالي فالزيارات الرسمية والتحركات الدبلوماسية بين الرباط وبريتوريا، بما فيها زيارة بابيلا تدخل في سياق ممارسة الجانبين للبراغماتية السياسية التي تنتج أهدافا مشتركة بالرغم من وجود إشكاليات سياسية. فالعلاقات بين الدول ، رغم جوانب التوتر ، والتنافس، تبقى قائمة قبل كل شيءعلى مصالح متبادلة.