البيت الشعري عنوان المقال، هو لشاعر العصر الجاهلي : عمرو ابن كلثوم ، كان معروفا ببسالته، وشجاعته،.. ومعروفا أكثر بكبريائه وعزة نفسه، والذي قال في بيت عنوان المقال ما معناه: إذا أراد أحدهم أن يجرب جهالته وسوء أخلاقه فينا ، فسنجهل في حقه جهلا أكبر من جهل أي جاهل، ونسيء إليه أكبر من إساءة أي جاهل ، ….لا أدري ما الذي ذكرني بهذا البيت الشعري فجأة ، وأنا أسمع يوم الإثنين الماضي، عن تعدي سيارة عسكرية جزائرية (وكان على متنها خمسة جنود جزائريين، أحدهم برتبة قائد ( commandant)) تعديها حدودنا ، واستباحتها أراضينا، بمنطقة محاميد الغزلان، لتدخلها غير مرحب لا بها ، ولا بمن عليها، ويستقبلهم أبناءنا البواسل، عيوننا التي لا تنام ، حماة الوطن ، ويقبضوا عليهم جميعا ، حوالي الساعة التاسعة وخمسين دقيقة صباحا… ، وبعد تفتيشهم، والتأكد من هويتهم ، والإستماع إلى تصريحاتهم، التي أفادوا فيها ،بأنهم دخلوا أرضنا خطأ، وأنهم كانوا فقط بصدد البحث على نبتة الكمأة ( الترفاس)، وظلوا الطريق …..رفع الجنود أمرهم لقيادتهم العليا.. التي فور توصلها بالخبر ، أصدرت أمرها بإطلاق سراح هؤلاء الدخلاء، ليعودوا أدراجهم من حيث أتوا ،على الساعة الحادية عشر وخمسة دقائق …. لتكتب نهاية هذه القصة قبل أن تبتدأ ، و بسرعة قصوى لم تعرف سرعتها أية قصة شبيهة بأحداثها ، ….لكن هذه القصة وهي تنتهي، بدأت من جديد في مخيلتي، وبدأت،أتساءل لماذا تصرف جيشنا معهم هكذا ؟… وقد كان بإمكان أبنائنا، أن يكتبوا سيناريو آخر تكون نهايته مشوقة أكثر لعالمنا بصحافته الدولية ، حتى وإن كانت ستكون حزينة، ومؤلمة جدا للعالم الآخر !!!….، لماذا شبابنا ،لم يفعلوا ذلك؟ ، ….كان بإمكانهم أن يرحبوا بضيوفهم المعتدين بأطباق شهية من الحديد والنار ، ليظهروا للعالم أشلاء مؤخرات جثتهم ، متفحمة ،عفنة ، مرمية مهملة فوق تراب صحرائنا، ..وعلم بلادنا مغروس قربها يرفرف رفرفة تقول لكل من يسمع ويرى احداث هذه القصة، أن لا سيادة هنا إلا سيادة وطن إسمه المغرب ، وكل من تجرأ ودخل له دون إذن ، يقصف يرفس، {يبندر }، و تنشر أخبار آخرته لتقرأ ، و صور مؤخرته يرتع فيها الذباب لتردع كل من سولت له نفسه أن يحدو حدوه ….ابناؤنا يعلمون علم اليقين أنهم حتى لو فعلوا ذلك، ما كانوا ليسألوا، أو حتى يلاموا ، لا محليا، ولا دوليا ، بل كانوا سيسجلون بذلك ملحمة أخرى من ملاحم البطولات التي تعودوا عليها (إعطاء الطرايح لمن ألفها منا) ، لأن المعتدين : أولا: جنود دولة عدوة ، ثانيا: لأنهم جاؤوا يركبون سيارة عسكرية… ، ثالثا: لأنهم مسلحين…، رابعا: لأن وجودهم فجأة فوق ترابنا دون إذن ، أو سابق إشعار هو تهديد صريح لسلامة وأرواح جنودنا ، أي أن المهاجمين كانوا في وضع اعتداء كامل، لا يتناطح فيه عنزان، وهو الوضع الذي يسمى في لغة القانون: الجرم المشهود ، أي حالة التلبس بالهجوم على أرض الغير، ..وردة فعل أبنائنا بإطلاق النار على المعتدين في هذه الحالة، تتوفر فيها جميع شروط حالة الدفاع الشرعي عن النفس، التي تبيحها كل الشرائع السماوية ، و القوانين العالمية الوضعية لكل من تعرض لإعتداء ، …لكن لأن أبنائنا مغاربة قبل أن يكونوا جنودا، و يغلب فيهم طبع الطيبة والإنسانية على طبع الكراهية والإنتقام بأخذ الثأر، …رحموهم، ….أو الأصح تصدقوا عليهم بأعمار جديدة ، و بحيوات جديدة،… أفلتوهم من قدر هلاك و موت محقق لا جدال فيه ، واكتفوا فقط بإيقافهم، عوض إعدامهم رميا بالرصاص…تم جاءتهم تعليمات من قادتهم، الذين لا يقلون عنهم نبلا وشهامة (تمغرابيت) التي تنبذ تصرف الجهالة، وتعطي الأولوية للأخلاق والإنسانية، فرفعوا عنهم حالة الإعتقال، وأطلقوا سراحهم ليرحلوا ركضا من حيث أتوا، وهم لا يصدقون ولا يلتفتون خلفهم ….كفعل الفريسة التي تفلت فجأة من بين فكي ومخالب صائدها وتطلق ارجلها للرياح، ….آه تم آه ، لواطلعتم على حالتي وأنا اسمع، وأقرأ ، خبر الإفراج هذا عن جنود الجزائر ..وأقارنه بظروف قتل جيش الجزائر العرمرم، المقدام، البطل ، الشجاع ، الذي أبهر العالم بقوته وبأسه ، ودماثة أخلاقة، الجيش الذي استطاع بمفرده ودون الحاجة لمساعدة من جيوش دول أخرى … أن يقتل ابنائنا ( بلال كيسي، وعبد العالي مشوير،) بإطلاق الرصاص عليهم، وأن يعتقل إبننا الثالث ( اسماعيل سنابي )، اللذين ارتكبوا جريمة نكراء، وهددوا سلامة وأمن أمة الجزائر القارة كلها، عندما سمحوا عمدا لتيار البحر الجارف، أن يجرف بهم دراجتي الدجي تسكي المدمرة الفتاكة، التي كانوا على متنها، لترتكب جريمة نكراء، اهتز لبشاعتها العالم ،وتتخطى بهم حدود مياه السعيدية، وتدخل أمتارا في المياه الإقليمية المقدسة الجزائرية ، وازداد التهديد لسلامة الجزائر عندما فعلوها، وهم عزل ، عراة، بشكل واضح للجيش الجزائري الباسل.. ، والذي لم يتوانى في رد الإعتداء، بالرد المناسب ، وأطلق النيران عليهم في كل الإتجاهات ، لتنهي قصة حياة شابين منهم في مقتبل العمر ، فيما نجا الثالت بقدرة قادر ( اسماعيل سنابي) بعدما رمى بنفسه في الماء فور سماعه صوت طلقات الرصاص، ليأسروه ، كأي أسير حرب ، ويغنموه هو ودراجتي التجي دسكي التي اخذوها غنائم للجزائر وليحاكموه كمجرم حرب على الجريمة النكراء التي ارتكب بالتآمر مع الإنجراف المائي السفاح على أمن الجزائر ، و مع ذلك كان قضاء الجزائر رحيما به، إذ لم تتجاوز العقوبة التي حكم عليه بها أكثر من سنة سجنا نافذا !!!،امضاها بسجون الجزائر. تحت التعذيب كما روى بعد انقضاء العقوبة وتسليمه لفرنسا بعد دفعه فدية 100 ألف يورو تسولتها عائلته من القاصي والداني …ليصفق العالم، لجيش الجزائر على ما فعل ، وكيف أبلى البلاء الحسن، اما نحن في المغرب فتعودنا على مثل هكذا بسالة عند الجزائر….منذ زمن، ولم تفاجئنا لأن جيراننا رجالا، يمكن أن ينقصهم أي شيء، إلا البسالة، التي أصبحوا مدمنين عليها ، حتى أصبع معنى البسالة {دارجيا} عندنا مرادفا لإسم الجزائر ، ….المهم حتى لا أطيل عليكم …يبدوا أن قصة لذة الترفاس المغربي المباح شاعت بين فيالق الجيش الجزائري ،… وجاءت مرة أخرى فرقة جزائرية عسكرية أخرى، أكبر من الأولى التي اطلقنا سراحها ، وأكثر عددا وعدة ، لتدخل ارضنا من جديد بحثا عن الترفاس …وتثبت لنا أن الجيش الجزائري جهل علينا مرة أخرى ، وأصبح جهله مرضيا يكرر ويكبر، اتجاهنا دون أية حسابات
…دخل مرة أخرى ليستبيح أرضنا …لكنه هذه المرة أحرجنا لأننا بكل أسف لم نجد ما نقدمه له من ترفاس …لكن كرمنا المعروف منعنا من تركه خاوي الأيادي، ودون أن نكرم وفادته ، فأعطيناه الرفس بالدرون هذه المرة بدل الترفاس …ليقتل منه من قتل، وليعود من جرح منه ، ليحكي لباقي الفيالق عن لذة الفلقة المغربية في رفيسة الرفس المغربي…ليعلم الحاضر منهم الغائب ما ينتظرهم من كرم الضيافة المغربية إن جاؤونا مرة أخرى طالبين ترفاسنا …..وخلف هذه الصورة التي سردت لكم كتب في مخيلتي عن المغرب بيت الشاعر عمروا ابن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحد علينا…..فنجهل فوق الجاهلينا ….