ليست المرة الأولى التي يتفاجأ فيها المغرب بإعلان بيع جزء من تراثه الجيولوجي في المزادات العالمية، كما حدث مؤخراً عندما أعلنت “دار مورتون” للمزادات، طرح ذيل ديناصور منقرض، عُثر عليه في المغرب، للبيع في المكسيك، لجمع أموال لإعادة بناء آلاف المدارس، التي ألحق زلزالان ضرباً الدولة الواقعة في أميركا اللاتينية الضرر بها.
هذا الخبر أثار جدلاً واسعاً في المغرب، بعدما تناقلت الصحافة الوطنية والعالمية الخبر بشكل واسع، ما دفع الحكومة المغربية إلى فتح تحقيق في الموضوع، وفِي الطريقة التي نقل بها ذيل الديناصور خارج المغرب.
التحقيق جار
مدير مديرية التراث بوزارة الثقافة، أكد أن “التحقيق ما زال جارياً، وهناك اتصال بسفارة المملكة المغربية بالمكسيك، لتجميع كل المعطيات الحقيقية حول طرح ذيل الديناصور المغربي في مزاد علني بالمكسيك”.
وأوضح المسؤول في وزارة الثقافة، أن هذا التحقيق يهم على الخصوص “أصل بقايا الهيكل والطريقة والظروف التي تم بها إخراجه من المغرب، ومدى قانونيتها، والجهة التي تقف وراء إخراجه”.
كما شدد، على أن مديرية التراث بوزارة الثقافة، في حال توفرت لديها جميع المعطيات الصحيحة “ستعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح تحقيق دولي، وفقاً للاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الاتجار غير المشروع للممتلكات الثقافية، وتدمير ونهب التراث، وفقاً لاتفاقية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لسنة 1970”.
لكن وزارة الثقافة ليست الوحيدة التي تدخّلت على الخط، بل تدخلت أيضاً قطاعات وزارية أخرى، على رأسها وزارة الطاقة والمعادن، إذ صرَّح الوزير عزيز الرباح، لوكالة الأنباء الإسبانية، أن المغرب فتح تحقيقاً حول “مصداقية الأخبار”، التي تقول إن ذيل الديناصور الذي بيع في المكسيك، قد عُثر عليه في جبال الأطلس، كما ادعت ذلك “دار مورتون للمزادات”.
ويعود ذيل الديناصور، الذي يبلغ طوله 4 أمتار، ويزن 180 كيلوغراماً إلى ديناصور كان يعيش بين جبال الأطلس في المغرب، في الفترة الجوراسية الوسطى، قبل نحو 165 مليون عام. وهو من نوع الديناصورات آكلة العشب، ذات الأربع أرجل، ويعتبر من بين أضخم الحيوانات على الأرض.
تداخل المهام
هذا “التهريب” المحتمل لذيل ديناصور مغربي، استدعى في أكثر من مرة لدى المشتغلين على التراث الجيولوجي والمستحاثات بشكل خاص، التساؤل حول الحماية القانونية للتراث المغربي.
بهذا الخصوص، أجاب، مدير مديرية التراث بوزارة الثقافة، بأن “المغرب يتوفر على قانون منظم لهذا المجال، هو قانون رقم 80-22 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات”.
وينص هذا القانون في الفصل 44 منه تحديداً، على أنه “لا يجوز تصدير التحف الفنية والعاديات المنقولة رغبةً في المحافظة عليها، إذا كانت فيها بالنسبة للمغرب فائدة تاريخية أو أثرية أو أنثروبولوجية، أو كانت تهم العلوم التي تعنى بالماضي، والعلوم الإنسانية بوجه عام، غير أنه يمكن منح رخص للتصدير المؤقت، ولاسيما بمناسبة تنظيم المعارض، أو لأجل البحث والدراسة”.
غير أن المسؤول بوزارة الثقافة، أشار إلى وجود تداخل بين مصالح وزارية متعددة، باعتبار “الكل يضع يده على ملف التراث؛ مثل وزارة الطاقة والمعادن، ووزارة البيئة، ثم المياه والغابات”.
هذا “التداخل في المهام، هو الذي يشي بوجود فراغ على المستوى القانوني”، يضيف، الذي دعا إلى “تنسيق أكبر بين المصالح الوزارية فيما يخص هذا المجال”.
أهمية علمية وتنموية
بالنسبة، الباحث الجيولوجي، والأستاذ بكلية العلوم والتقنيات بمدينة الراشيدية، يرى أن الإشكال ليس في القوانين والتشريعات التي تحمي التراث الجيولوجي والمستحثات.
بل “القوانين الموجودة كافية، فقط ينبغي تطبيقها بكل صرامة” من طرف القطاعات الحكومية المعنية بهذا التراث المغربي، يضيف الباحث الجيولوجي، ورئيس جمعية واحة فركلة للتنمية والتراث، في حديث للصحافة.
كما أبرز، أنه “ليست المرة الأولى التي يتم فيها تهريب تراث جيولوجي ومستحثات خارج الوطن”، داعياً الحكومة إلى “استرجاع هذا التراث المغربي بالطرق القانونية المعمول بها على المستوى الدولي”، إضافة إلى حمايته عن طريق “تشجيع البحث العلمي فيه، وجمعها في متاحف”.
ونبه المصدر نفسه، على أن التراث الجيولوجي المغربي، وذيل الديناصور جزء منه، “يسيل لعاب العديد من الجامعات الدولية، بالنظر إلى أهميته العلمية الكبيرة جداً، إذ يمكّن الباحثين من إنجاز دراسات وبحوث حوله وحول المناطق المتواجدة فيه”.
كذلك اعتبر، الأستاذ الجامعي والباحث الجيولوجي، أن التراث الثقافي عموماً، والتراث الجيولوجي خاصة، “مهم جداً للتنمية المحلية والمجالية”، لأنه “يخلق دينامية ورواجاً سياحياً للمناطق التي يتواجد بها هذا التراث، كما يسهم في التعريف بهذه المناطق وبالمغرب عموماً”.