سحب أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ والبيت الأبيض، دعمهم لترامب، بعد انتشار فيديو ظهر فيه ترامب وهو يتكلم عن النساء، مستخدماً مصطلحات جنسية سوقية، مسبباً أزمة للحزب قبل شهر من الانتخابات.
المنسحبون أعلنوا خوفهم من أن يكون ترشحه تقويضاً لفرص الجمهوريين بأكملها في انتخابات الشهر القادم، ودعاه بعضهم إلى الانسحاب. لكن ترامب، مع ذلك، تعهد بالاستمرار في السباق الرئاسي.
وأبرز المنسحبين -وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز– جون ماكين، نائب أريزونا ومرشح الانتخابات الرئاسية لعام 2008.
ماكين وبنس
ماكين قال: “كنت أعتقد أنه من المهم احترام حقيقة فوز دونالد ترامب بأغلبية أصوات المندوبين حسب قواعد حزبنا. لكن سلوك دونالد ترامب هذا الأسبوع، الذي اختتم بنشر تعليقاته المهينة حول النساء وتفاخره باعتداءاته الجنسية، يجعل من المحال الاستمرار في تقديم ولو دعماً مشروطاً لحملته”.
في توبيخ غير مسبوق، رفض مايك بينس، محافظ إنديانا، والمرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس، وزميل ترامب في الانتخابات، الظهور نيابة عن ترامب في اجتماع للحزب في وسكنسن، وعرض عليه ما يشبه الإنذار النهائي بعد ظهر يوم السبت.
وقال بنس في بيان صحفي، إنه “شعر بالإهانة من الكلمات والأفعال التي وصفها دونالد ترامب” في الفيديو، ووصف المناظرة الثانية لترامب مع هيلاري كلينتون، المزمع إجراؤها يوم الأحد، بأنها لحظة حرجة تستدعي تغيير مسار الحملة.
ليسحب ترشيحه
الموقف قد تصاعد بفداحة، إلى درجة أن الكثير من أعضاء الحزب كانوا يتوسلون إليه سحب ترشيحه وترك بنس يخوض السباق مرشحاً رئاسياً بدلاً منه. وأصبح السيناتور عن ولاية ساوث داكوتا، ورئيس المؤتمر الجمهوري، جون ثون الذي ظهر على وسائل الإعلام يوم السبت، أكبر مسؤول جمهوري يطالب ترامب بالتنحي لإفساح المجال لبنس.
بدأت تلك المعارضة الكبيرة لترشح ترامب وفقاً صحيفة نيويورك تايمز ليلة الجمعة، عندما أشار عدد من جمهوريي ولاية يوتاه، الذين قالوا سابقاً إنهم سوف يدعمون ترامب، إلى أنهم أصبحوا
لا يستطيعون تحمل مرشحهم أكثر من ذلك.
لكن الأمر لم يبدأ حقاً، إلا بعد أن قامت اثنتان من النساء المحافظات، وهما النائبة باربارا كومستوك عن ولاية فرجينيا، ومارثا روبي عن ولاية ألاباما، بمناشدة ترامب أن ينسحب. بعد ذلك بدأ الجمهوريون المترددون في المضي قدماً ورفض ترشح ترامب.
كما أن السيناتور كيلي أيوتي عن ولاية نيوهامبشاير، وهي أول عضو بمجلس الشيوخ تواجه إعادة انتخاب تنافسية، تقول إنها لن تدعم ترامب؛ إذ أعلنت في بيان صحفي أنها سوف ترشح السيد بنس للرئاسة بدلاً من ترامب.
وكتبت كيلي على تويتر: “أنا أم وأميركية قبل كل شيء، ولا يمكنني، ولن أدعم مرشحاً للرئاسة يتفاخر بالحط من النساء والتعدي عليهن”.
وانضم إلى السيدة أيوتي، بعد ذلك بساعات قليلة، جون ماكين، الذي يخوض انتخابات الإعادة هو الآخر، والنائب جو هيك عن ولاية نيفادا، الذي يخوض سباقاً محموماً على مقعد مجلس الشيوخ الذي يشغله الآن هارج ريد، زعيم الأقلية الديمقراطية، الذي سوف يتقاعد، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
كان ذلك اعترافاً أن ترشيح ترامب أصبح يشكل تهديداً مباشراً على ترشيحاتهم ذاتها، وأنه لو كان من الممكن لهم الحصول على أية فرصة للاستمرار، فلا بد من المخاطرة بإثارة غضب أنصاره الأشد حماسة. فقد تعرض المتحدث الرسمي للحزب، بول رايان، في اجتماع للحزب يوم السبت في وسكنسن، والذي لم يدع له دونالد ترامب، لبعض صافرات الاستهجان، عندما قال إنه يشعر “بالاشمئزاز” من هذا الفيديو. كما أن السيد هيك قوبل بسخرية واستهجان عندما أعلن للجمهور في نيفادا أنه لن يدعم ترامب.
وأخبر رايان الحضور أنه لن يناقش “الأمر شديد الجلاء”، يعني الفيديو الذي يعود تاريخه لعام 2005.
وتفاخر ترامب، الذي كان حينها حديث الزواج -بفجاجة- بلمسه الأعضاء التناسلية للنساء”.
التصريح المسجل الذي أطلقه صباح السبت قال فيه “إن أي شخص يعرفني يعرف أن هذه الكلمات لا تعكس حقيقتي. لقد قلت هذه الكلمات، وكنت مخطئاً فيما قلت، وأعتذر عن ذلك”.
ووعد ترامب، قبل أن يختم رسالته بإظهار فضائح رئاسة بيل كلينتون واستجابة هيلاري كلينتون لها: “إنني أعد أن أكون رجلاً أفضل غداً، وإنني لن أخذلكم أبداً أبداً”.
نصلي من أجل عائلته
وقال بنس: “إنني لا أستطيع التغاضي عن ملاحظات ترامب ولا يمكنني الدفاع عنها” مضيفاً “إننا نصلي من أجل عائلته ونتطلع للفرصة التي يستطيع فيها أن يظهر ما في قلبه عندما يقف أمام الأمة مساء الغد”.
بحلول مساء السبت، كان ما لا يقل عن 36 عضواً من أعضاء الكونغرس والمحافظين من الجمهوريين، الذين لم يكونوا قد سحبوا دعمهم في السابق لترامب، قد تنصلوا من ترشحه، وهو تخلٍّ غير مسبوق من قبل مؤسسة الحزب الجمهوري عن حامل لوائها، قبل شهر واحد من يوم الانتخابات.
ويستدعي هذا النمو المتزايد لمعارضة ترامب، تصميم الحزب الجمهوري هذا العام على حرمانه من الترشيح في المقام الأول. نجح ترامب بسهولة في إحباط هذه الجهود، لكنه الآن يجد نفسه في موقف أشد حرجاً بكثير، فحملته الانتخابية ضعيفة التنظيم أصبحت تواجه ناخبين أكثر تنوعاً واتساعاً، في موقف صعب بالفعل، قبل ظهور شريط الفيديو.
كان مرعوباً وهو يتابع صدى الفيديو
مساعدو ترامب قالوا بأنه كان مهتزاً، ويشاهد التغطية الإعلامية للفيديو بخليط من الرعب وعدم التصديق. وبعد منتصف الليل بقليل نشر تصريحاً مصوراً قال فيه: “لقد قلت وفعلت أشياء أندم عليها، والكلمات المنشورة اليوم لما قلته منذ أكثر من عقد مضى، واحدة من هذه الأشياء التي أندم عليها”.
متحرش جنسي لا يرحم
قبلها دون موافقة
وقالت ملكة جمال الولايات المتحدة، وملكة الجمال السابقة لولاية يوتاه، تمبل تاجرات، لصحيفة نيويورك تايمز في شهر مايو/أيار الماضي، إن ترامب قبَّلها من فمها دون رضاها، وإنها تعتقد أنه فعل الشيء ذاته مع متسابقات أخريات.
وقالت المحامية بمجال حقوق الإنسان وخبيرة التحرش الجنسي، ليسا بلووم، والتي تمثل هارث، لمجلة “نيوزويك“، في مقابلة صحفية تلفونية: “لنكن واضحين، إن ترامب يتحدث في ذلك الفيديو عن اعتداء جنسي. يتحدث عن لمس الأعضاء الجنسية للنساء دون رضاهن. وصفت بعض وسائل الإعلام هذا الكلام بأنه حديث غرف تغيير الملابس، لكن الأمر أكثر من هذا بكثير”.
وأضافت أن الشريط نفسه، الذي يتحدث فيه ترامب عن نساء كان على وشك مقابلتهن، دليل على تحرش جنسي في مكان العمل.
رفض الانسحاب
يرفض ترامب دعوات الانسحاب، ويقول إنه “من رابع المستحيلات أن ينسحب من السباق، لم أسمع من أي شخص دعوات بالانسحاب، وهذا لن يحدث أبداً. لن يحدث أبداً. لست هذا النوع من الأشخاص. أنا في هذا السباق حتى النهاية”.
وشدد ترامب، الذي لا يبدو مرتبكاً على الإطلاق، على أنه لا يزال بإمكانه الفوز في انتخابات نوفمبر “أجل طبعاً. نستطيع الفوز وسوف نفوز. لدينا دعم كاسح. أظن أن كثيراً من الناس يقللون من شأن ولاء مؤيديّ”، وفق صحيفة نيوزويك.
زوجي مسيء سامحوه
حملة ترامب نشرت بياناً صحفياً على لسان ميلاني، زوجة ترامب، جاء فيه: “إن الكلمات التي استخدمها زوجي غير مقبولة ومسيئة لي. هذه الكلمات لا تمثل الرجل الذي أعرف. آمل أن الناس سوف تتقبل اعتذاره، كما فعلت أنا، وآمل أنهم سوف يركزون على المواضيع المهمة التي تواجه أمتنا والعالم”.
مخاوف في برج ترامب
ومع ذلك، فقد كان رد الفعل الجريء الذي قام به ترامب علناً عكس حقيقة فترة الـ24 ساعة داخل برج ترامب، التي كان فيها غاضباً وحزيناً، بحسب اثنين على معرفة مباشرة بسلوكه، واللذين طلبا عدم الإفصاح عن اسميهما لمناقشة تلك المحادثات الخاصة.
وكان ترامب وزوج ابنته، غاريد كوشنر، قد عبرا أول الأمر عن شكهما عندما سمعا بوجود مثل ذلك التسجيل، قائلين إن تلك التعليقات لا تشبه شيئاً قد يقوله ترامب. وعندما عرف ترامب أن الفيديو قد نشر، اعترف أنه له، لكنه لم يكن يعتقد أن التبعات سوف تكون بهذه الدراماتيكية.
ومع ذلك فإن بنس، قد شعر بالاستياء، واستدعى ترامب إلى المقر الرئيسي للحزب ليلة الجمعة ليرجوه أن يعتذر.
صباح السبت، اتصل بنس بترامب وأخبره أنه ينبغي له أن يتعامل مع الـ48 ساعة المقبلة وحده؛ لأنه لا يعتقد أنه سوف يكون نائباً ذا أثر.
أدرك ترامب، بعد مشاهدة التغطية التلفزيونية، أنه قد أصبح معزولاً من قبل حزبه.
وبحسب واحد ممن ألمحوا إلى المحادثات في حملة ترامب، فإن مساعديه لم يطلبوا صراحة من كبار مستشاريه وحلفائه أن يقوموا بدفاعهم المعتاد عن تعليقات ترامب، لكنهم طلبوا من الناس أن يقفوا بجانبه.
بعض المؤيدين فعلوا ذلك، منهم بن جارسون، ومذيعة الراديو المحافظة لورا إنجراهام، وروبرت مرسير وريبيكا مرسير -الأب وابنته الغنيان- وربما أهم داعمي ترامب، واللذين قالا في تصريح صحفي، إنهما يعتبران الفيديو “تبجحاً من ذلك الذي يقال في غرفة تغيير الملابس”.
وقالا أيضاً: “إن أميركا تشعر بالملل والاشمئزاز من نخبتها السياسية. إن ترامب يعبر عن ذلك الاشمئزاز. وأولئك المعدودون بين النخبة السياسية الذين يرتعشون أمام توابع الثرثرة الإعلامية، لا يقدرون الخيار الكارثي الذي تواجهه أميركا في الثامن من نوفمبر”.
وقد ذهب اثنان من أبرز داعمي ترامب، وهما المحافظ كريس كريستي محافظ نيوجيرسي، وعمدة نيويورك السابق رودولف و. جويلياني، إلى برج ترامب وقت الظهيرة للاجتماع معه ومحاولة تجهيز بعض الاستعدادات للمناظرة.
لكن المزيد من الأخبار المدمرة ظهرت على الإنترنت وقنوات الكابل، بعد الظهر، عندما ظهر تقرير للسي إن إن، حول التعليقات الخليعة والبذيئة العديدة التي قام بها ترامب خلال سنوات في برنامج “ذا هوارد ستيرن شو”.
وقبل حلول الساعة الخامسة، ظهر ترامب لحوالي خمس دقائق، وهو يسير بخفة خلال رواقه المذهب اللون، ينتظره عدد من مؤيديه على الممر. رفع ترامب قبضة يده اليمنى في الهواء بينما أحاط به مؤيدوه.
وأخبر ترامب الصحفيين الذين سألوه ما إذا كان سوف يبقى في السباق الرئاسي: “سوف أبقى بنسبة مائة بالمائة”.
وقال جوزيف أ. تريللو، رئيس حملة ترامب في رود أيلاند، إن بنس قد استقل طائرة من إنديانابوليس، ليحضر حفلاً لجمع التبرعات في رود أيلاند، حيث أخبر الصحفيين أن الانتخابات أكبر من مجرد “رجل واحد”. كما خطب بنس في حفل أقيم في بيت بنيوبورت، دون أن يذكر بشكل صريح الأحداث الأليمة التي وقعت ذلك اليوم، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
وقال تريللو: “استخدم بنس مصطلحات تعني أن تلك مجرد حركة، وأن الأمر أكبر من دونالد ترامب”.
وفي الوقت ذاته، طالب قادة جمهوريون بارزون، اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، التي كانت تساعد حملة ترامب مادياً وتنظيمياً، بالتخلي عنه وتحويل اهتمامها لإنقاذ المرشحين الآخرين أسفل قائمة الاقتراع.
وقال النائب شارل دنت، الجمهوري من ولاية بنسلفانيا، إن اللجنة ينبغي أن تتوقف عن “الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه”.
وطلب من رينس بريبس، رئيس الحزب، إجبار ترامب على الخروج من السباق أو مواجهة التبعات.
وقال: “إن من واجب رئيس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، أن يراعي مصالح الحزب ككل، لذا فينبغي له أن يعمل على تنحي ترامب. لو لم يكن بإمكانه فعل ذلك، فينبغي عليه هو نفسه أن يتنحى”.